دخلَ مسار الأحداث في مخيم عين الحلوة مرحلةً جديدة، بعدما فشلت المساعي والمفاوضات الفلسطينية - اللّبنانية بتثبيت وقف إطلاق النار نتيجة الخروقات التي نفذّتها الأطراف المتناحرة، ليتصاعد القتال على الجبهة بين حركة "فتح" والجماعات الإسلامية المتطرّفة.
وفي ظلّ هذا المشهد، سؤال يطرح نفسه حول توقيت افتعال الاشتباكات وعدم الالتزام المستمر بوقف إطلاق النار، واحتمالية وجود جهّات محرّضة تزوّد المجموعات بالأسلحة، وسطَ مخاوف من ارتفاع وتيرة الاقتتال وتدخّل الجيش اللّبناني لضبط الوضع.
وفي السياق، أكّد العميد المتقاعد خليل الحلو أنَّ "محاولات زجّ الجيش في هذا النزاع هي محاولات مشبوهة، إذ ليسَ من مسؤولية المؤسسة العسكرية التدخّل في فضّ مثل هذه الاشتباكات، علماً أنَّ هناك 70 ألف شخص في المخيّم، عدا اللاجئين الذين نزحوا نتيجة الأحداث الأخيرة"، مشيراً إلى أنَّ "الحديث عن معركة مماثلة لنهر البارد ليس بأمر وارد"، ومذكراً أنَّ "الجيش لم يبدأ عمليته في نهر البارد آنذاك إلّا عندما خرج المدنيون من المخيم، وبقيت فتح الإسلام وشاكر العبسي، وبذلك فإنَّ الموضوع مختلف تماماً".
ولفتَ الحلو في حديثٍ خاص لـ"بلوبيرد لبنان" إلى شقيّن يتعلّقان بأسباب اندلاع الاشتباكات في عين الحلوة، عازياً الأول لاغتيال العميد في "فتح" أبو أشرف العرموشي، "إذ لم يتم تسليم القتلى إلى الجهات المختصّة، وهو ما يعتبر أخذ بالثأر". أما السبب الأكبر، فهو "عملية توحيد الصف الفلسطيني، أيّ حركة فتح والحكومة الفلسطينية، مع حركة حماس والجهاد، علماً أنَّ المساعي لم تثمر باتجاه تحقيقه، وعليه فإنَّ الاشتباكات مرجحة أنَّ تستمر بمعزل عن اي اتفاق، ووجب تدخل أداة ضاغطة لوقفها بشكل دائم"، على حد تعبيره.
أمّا عن مشهدية المخيمات في ملعب صيدا، اعتبرَ الحلو أنَّ "هذا الأمر طبيعيّ، ومن مسؤولية الصليب الأحمر حماية اللاجئين ومساعدتهم، إلّا أنَّ أهالي صيدا شعروا بالقلق إزاء هذا المشهد، وبالتالي أزيلت المخيمات"، مشدداً على أنَّ "أزمة النازحين من داخل المخيم إلى خارجه مستمرّة وتحتاج إلى أمر حكومي".
بدوره، أشارَ الصحافي جورج شاهين إلى أنَّ "أخطر ما يجري في عين الحلوة أنّه تحوّل نموذجاً مصغراً للحرب الفلسطينية – الفلسطينية التي تُشنّ على السلطة الفلسطينية والمنظمات الموالية لها، من قبل مجموعات تلاقت على ضرب السلطة فيما لم تؤذي بعد حتى اليوم أيّ جندي إسرائيلي"، لافتاً إلى أنَّ "ما يجري من وقائع أمنية يرفع من نسبة المخاوف على إمكان أن يفلت المخيم يوماً ما عن السلطة الأمنية التي تنسّق مع المؤسسة العسكرية والحكومة اللّبنانية".
وكشف شاهين في حديث خاص لـ"بلوبيرد لبنان" أنَّ "فتح سلّمت ليل الأحد عدداً من المسلحين للجيش الذين تمَّ احتجازهم في عدد من المحاور وهم من الجماعات الإسلامية المتطرفة".
ورأى شاهين أنَّ "أخطر ما يجري أيضاً وجود سلاح قيل إنّه لمواجهة إسرائيل، ولكنّه لم يقتل حتّى اليوم سوى اللّبنانيين والفلسطينين، وبذلك فإنَّ ما يشهده مخيم عين الحلوة شبيهٌ بما يحصل في غزة، بالإضافة إلى مخطط رهيب يجري لتفتيت القوى الفلسطينية وإخراج المخيمات عن أيّ سلطة تنوي التعاون والتنسيق مع الجيش".
وإذ ذكّر شاهين بأنَّ "المجموعات موجودة منذ زمن، وهذا ليسَ بأمر جديد، وقد نفذّت عناصر منها عمليات اغتيال سابقاً، علماً أنَّ هناك جهات لبنانيّة وأخرى غربية تمدّها بالسلاح"، مستبعداً احتمالية تدخل الجيش، "لأن مهمته الحفاظ على أمن محيط المخيمات، خصوصاً أنَّ الأمن الفلسطينيّ حتّى اللحظة ملتزم بالاتفاقيات، لكن إذا ما تمّت معرفة الجهات المموّلة للمجموعات المسلحة المتطرّفة، فإنّها حتماً ستبقى تغرّد على ليلاها خارج السرب".
في المحصّلة، يتحوّل لبنان من جديد محطة إقليمية وصندوق بريد للعديد من الدول المجاورة، في حين يعتبره البعض ساحة لتصفية الحسابات فيما بينهم، الأمر الذي يرتّب آثاراً سلبية على الاستقرار في البلد، وهيمنة يد الإرهاب، وبالتالي الانغماس في عمق الأزمة أكثر.