القاضي بيطار في صوفيا لانتزاع أسرار نترات الموت

في خطوة وُصفت بأنها اختراق جدار الصمت في واحدة من أكثر القضايا تعقيداً في التاريخ الحديث، غادر القاضي طارق بيطار، المحقق العدلي في قضية انفجار مرفأ بيروت، العاصمة اللبنانية صباح اليوم متوجهاً إلى بلغاريا. هذه الرحلة ليست مجرد إجراء قضائي روتيني، بل هي محاولة لفك شفرة دخول شحنة نترات الأمونيوم التي حوّلت بيروت إلى مدينة منكوبة في الرابع من آب 2020.
تتركز أنظار اللبنانيين اليوم على مدينة صوفيا، حيث من المقرر أن يستجوب بيطار المواطن الروسي إيغور غريتشوشكن، مالك السفينة روسوس. الرجل الذي  يُعد  الصندوق الأسود الذي قد يحمل إجابات عن الأسئلة المعلقة منذ عام 2013،من طلب الشحنة فعلياً؟ وكيف انتهى بها المطاف مخزنة لسنوات في العنبر رقم 12؟
الاستجواب لن يكون عابراً، إذ سيتم بحضور قضاة بلغاريين وفريق من المترجمين، في جلسات يُتوقع أن تكون ماراثونية نظراً لحجم المعلومات المطلوبة لكشف ملابسات الكارثة التي أودت بحياة أكثر من 230 ضحية.
يبرز في هذا الملف تساؤل نقدي حول دور التعاون الدولي في ملاحقة المتورطين. فالمعلومات تشير إلى أن السلطات البلغارية كانت قد ألقت القبض على غريتشوشكن في مطار فاسيل ليفسكي منتصف أيلول الماضي، فور وصوله من مدينة بافوس القبرصية، بناءً على مذكرات توقيف صادرة عن الإنتربول.
لكن، وبدلاً من تسليمه للقضاء اللبناني، امتنعت بلغاريا عن ذلك بذريعة عدم كفاية الأدلة التي تضمن عدم الحكم عليه بالإعدام في لبنان. هذا العائق القانوني يطرح علامات استفهام حول قدرة الدولة اللبنانية على إقناع المجتمع الدولي بصلابة نظامها القضائي واستقلاليته بعيداً عن العقوبات القاسية التي تعيق مسار التسليم.
فإصرار القاضي بيطار على الانتقال شخصياً لاستجواب غريتشوشكن يعكس رغبة في تخطي العقبات الدبلوماسية والبيروقراطية. فهل ستكون هذه الجلسات كفيلة بوضع النقاط على الحروف، أم أن مالك السفينة سيظل حلقة في سلسلة طويلة من التهرب من المسؤولية؟
يبقى الأمل معلقاً على ما سيعود به بيطار من حقيبته الدبلوماسية، فالحقيقة في مرفأ بيروت لم تعد مطلباً محلياً فحسب، بل هي اختبار لضمير العدالة العابرة للحدود.