تلتقي المبادرات التي تقوم بها بعض الدول لإحداث خرق في ما يتعلّق بإنجاز الاستحقاق الرئاسي، على أهميّة التوافق الداخلي والحوار بين الأفرقاء السياسيين، لكنّها لا تُخفي في الوقت عينه التشرذم الواضح في المجلس النيابي. ليكون هذا التحرّك على هيئة اجتماعات ولقاءات لتقريب وجهات النظر وبالتالي تحريك العجلة الرئاسية، بدل الانتظار في دوامة الفراغ.
وتعقيباً عليه، وقُبيل انتهاء جولة الموفد الفرنسي جان إيف لودريان على القوى السياسية المعنية بالانتخابات الرئاسية، كان لافتاً الاجتماع الذي عقد في دارة السفير السعودي وليد البخاري في اليرزة، بحضور لودريان، مفتي الجمهورية الشيخ عبداللطيف دريان، والسفير الفرنسي هيرفي غارو، ومشاركة 21 نائباً من أصل ٢٧، وغياب النواب: بكر الحجيري، ينال الصلح، جهاد الصمد، إبراهيم منيمنة، حليمة قعقور وأسامة سعد.
هذا اللقاء الجامع أتى بمثابة مبادرة قيّمة من المملكة العربية السعودية والبخاري بجمع النواب السّنة، والإلمام بآرائهم، باعتبار أنَّ هؤلاء النوّاب ليس لديهم تمثيل موحّد. وإذ تعي السعودية، التي لطالما ساعدت لبنان في الخروج من أزماته، الصعوبات التي يعانيها البلد وشعبه، وبالتالي التداعيات التي يتركها الفراغ الرئاسي على الاقتصاد ومؤسسات الدولة جامعة، فإنّها تسعى جاهدة لإنهاء الشغور الرئاسي والتوصّل بمساعدة فرنسيّة إلى إنجاز الاستحقاق الرئاسي في أقرب وقت ممكن.
وفي السياق، أعلنَ النائب وضاح الصادق في حديث لمنصة "بلوبيرد لبنان" أنَّ "اللقاء كان مبادرة من السفير السعودي للنقاش وطرح الأفكار بين النوّاب الذين لم يتسنَّ لهم لقاء الموفد الفرنسي والإطلاع على آرائهم"، لافتاً إلى أنَّ "الأهم عقد جلسة نقاش مُنتجة، باعتبار أنَّ كلمة "الحوار" بات وقعها سيئاً لدى اللّبنانيين نظراً للتجارب السابقة، وأنَّ أيّ حوار سيجري لاحقاً سيكون بمثابة خرق جديد للدستور"، على حدّ تعبيره.
وإذ جدّد الصادق قوله إنَّ "رفضنا للحوار جاءَ نتيجة الدعوة إليه عبر الوسائل الإعلامية"، لافتاً إلى أنَّ "الموضوع الأساسي يرتكز على نوع الحوار، مَن سيديره ومَن سيُدعى إليه، إضافةً إلى فحوى النقاش خصوصاً في ظلّ تضارب المواقف والآراء بين النوّاب السنّة خصوصاً والكتل النيابية عموماً"، معتبراً أنَّ "الكلّ ينادي بالإصلاح والسيادة إلاّ أنَّ لدى كلّ فريق نظرته الخاصة للأمور، ممّا يُصعّب القيام بالمهمة المرجوّة".
وذكر الصادق أنَّ "بالنسبة لي من غير المقبول أن تُملى علينا كنوّاب لبنانيين ما يجب فعله للخروج من الأزمة، علماً أنًّ مفتي الجمهورية والسفير السعودي ولودريان أثنوا على أنَّ البلد ليس مفلساً، بل مسروق ومنهار بالكامل، كما طالبوا بالإلتزام بتطبيق الطائف وتفعيل النقاش الداخلي بين الأفرقاء اللّبنانيين وفق الدستور لانتخاب رئيس والخروج من الأزمة".
إذاً، المبادرات مستمرّة لحين الولوج بخلاصة ونتيجة إيجابية تحرّك الملف الرئاسي، لكن يبقى على القوى السياسية الإتفاق على خارطة طريق أساسية تحت عنوان المصلحة الوطنية والحفاظ على السيادة، وانتشال ما تبقى من مؤسسات في الدولة.