فيروس يصيب الأطفال قد يؤدي لتلف الأعصاب

أثبت بحث جديد أن الفيروس المخلوي التنفسي RSV، الذي كان يُعتقد أنه يصيب الجهاز التنفسي فقط والشائع للغاية لدى الأطفال الصغار، يمكنه أيضًا اختراق الخلايا العصبية مباشرة، ما يؤدي إلى التهاب مفرط وربما يؤدي إلى تلف الأعصاب. بحسب ما نشره موقع New Atlas، تؤكد النتائج على الآثار المحتملة طويلة المدى للفيروس المخلوي التنفسي وتسلط الضوء على أهمية التدابير الوقائية.

يصيب الفيروس المخلوي التنفسي ما يصل إلى 90% من الأطفال في أول عامين من العمر، وهو شديد العدوى، ويسبب أعراضًا خفيفة تشبه أعراض البرد. في كبار السن، يعد الفيروس سببًا مهمًا لمرض الجهاز التنفسي الحاد، خاصة عند الضعفاء أو الذين يعانون من أمراض مصاحبة. عند دخول الجسم عبر الجهاز التنفسي العلوي، كان يُعتقد أن الفيروس المخلوي التنفسي يؤثر فقط على الجهاز التنفسي، لكن الأدلة المتزايدة تشير إلى أن الفيروس يمكن أن ينتشر إلى الأنسجة غير التنفسية، وخاصة الجهاز العصبي، مما يعطل وظيفته.

 

تم اكتشاف الفيروس سابقًا في السائل النخاعي CSF لدى الأطفال، الذين يعانون من نوبات أو أعراض عصبية أخرى، وقد أظهر حوالي 40% من الأطفال المصابين بفيروس RSV دون سن الثانية اعتلال دماغي حاد، وتلف في الدماغ يمكن أن يؤدي إلى الارتباك أو فقدان الذاكرة أو صعوبات في الإدراك. ولكن على الرغم من هذه البيانات السريرية، فإن الآليات الخلوية الكامنة وراء تأثيرات الفيروس المخلوي التنفسي على الجهاز العصبي ظلت غير واضحة.

مؤخرًا، أكدت دراسة جديدة، أجراها باحثون في جامعة تولين في نيو أورليانز الأميركية، وجود صلة بين الفيروس المخلوي التنفسي والأعراض العصبية المبلغ عنها لدى الأطفال.

وأكّد جيوفاني بيديمونتي، الباحث المقابل في الدراسة، على أهمية لقاحات الفيروس المخلوي التنفسي، مشيرًا إلى أن "فيروس [RSV] هو الأكثر شيوعا في السنوات الأولى من الحياة، ويؤثر على صحة كبار السن أيضًا".

قام الباحثون بوضع صبغة تتألق باللون الأحمر الساطع في وجود تكاثر الفيروس على مزارع الأنسجة العصبية المحيطية ثلاثية الأبعاد المزروعة من الخلايا الجذعية البشرية وأجنة الفئران. وبعد ملاحظة أن الفيروس يمكن أن يصيب الخلايا، لاحظ الباحثون أن الفيروس المخلوي التنفسي حفز على إطلاق المركبات الكيميائية، وهي بروتينات مهمة لجهاز المناعة الفطري الذي يتحكم في هجرة الخلايا المناعية وتحديد موضعها، مما يسبب التهابًا كبيرًا.

ووفقًا لما تضمنه تقرير نشرته دورية Infectious Diseases حول الدراسة الجديدة، فإنه عند وجود حمل فيروسي منخفض، يصيب الفيروس المخلوي التنفسي الخلايا البلعمية في المقام الأول، ويتسبب في تعبير معتدل عن المركبات الكيميائية المسببة للالتهابات، وفي فرط استثارة العصب المحيطي العابر. أما الأحمال الفيروسية الأعلى فتصيب عددًا أكبر من الخلايا العصبية والبلاعم، مما يؤدى إلى ظهور قوي للكيموكينات، وفقدان البلاعم والخلايا العصبية، والسمية العصبية التقدمية.

وقال بيديمونتي إن نتائج الدراسة تُظهر، على عكس الدراسات السابقة، التي توصلت إلى أن هناك "استجابة التهابية تُنشط الأعصاب بشكل غير مباشر"، أنه "يمكن للفيروس أن يخترق الأعصاب مباشرة".

يفترض الباحثون أن فرط استثارة العصب العابر يكون على الأرجح نتيجة للكيموكينات أكثر من العدوى العصبية المباشرة. تعمل فرط الاستثارة العصبية في الجهاز التنفسي على تعزيز تجنيد المؤثرات المناعية الفطرية عبر الكيموكينات الالتهابية والسيتوكينات، مما قد يؤدي إلى فرط نشاط مجرى الهواء المزمن، مما يفسر سبب كون الأطفال المصابين بفيروس RSV أكثر عرضة للإصابة بالربو لاحقًا. إذا تمكنت الدراسات المستقبلية من تحديد المركبات الكيميائية المحددة المسؤولة عن فرط الحساسية العصبية الناجم عن RSV، فربما يؤدي ذلك إلى علاجات أكثر دقة لالتهاب القصيبات والربو ومرض الانسداد الرئوي المزمن.

 

واكتشف الباحثون أيضًا أن الفيروس المخلوي التنفسي يمكن أن يدخل إلى الحبل الشوكي عبر الأعصاب الطرفية على الرغم من عدم قدرته على دخول الخلايا العصبية الشوكية مباشرة. إن هناك حاجة إلى مزيد من البحث للتأكد من هذه الآلية، لكن الباحثين يفترضون أنه باستخدام الأعصاب الطرفية للدخول إلى الحبل الشوكي، يمكن للفيروس تجاوز حاجز الدم في الدماغ، والدخول إلى الجهاز العصبي المركزي، وإصابة المخ. وقال الباحثون إنه إذا تم تأكيد ذلك من خلال مزيد من الأبحاث، فيمكن أ، يشير إلى وجود صلة بين الفيروس المخلوي التنفسي وغيره من الاضطرابات العصبية أو التنموية.

 

وقال بيديمونتي: "إذا تم التأكيد بالفعل في الدراسات المستقبلية على أن فيروسات مثل هذه قادرة على الوصول إلى الجهاز العصبي المركزي، فإنه سيفسر الكثير من الألغاز الكبيرة الغامضة ".

تؤكد نتائج الدراسة على الآثار المحتملة طويلة المدى لعدوى الفيروس المخلوي التنفسي وتسلط الضوء على أهمية التدابير الوقائية. إنها مهمة بشكل خاص بالنظر إلى الزيادة في حالات الإصابة بفيروس RSV المُبلغ عنها في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأستراليا خلال عام 2023 ويُعتقد أنها "نشاط انتعاشي" ناجم عن رفع الإجراءات الوقائية التي تم فرضها لتجنب انتشار فيروس كوفيد-19.