إشتعل لبنان سجالاتٍ وتصريحاتٍ وتحرّكاتٍ في قضية النازحين السوريين ولا سيّما بعدما أعلنت رئيسة المفوضية الأوروبية أوروسولا فاندر لاين عن مساعدةٍ للبنان بقيمة مليار يورو موزّعة على أربع سنوات، واتُهم رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي بأنه قايض بين استمرار الوجود السوري في لبنان من جهة والمليار يورو من جهةٍ ثانية ولم يتمكن من الدفاع عن نفسه، ما اضطرّه لطلب جلسةٍ نيابيةٍ من أجل أن يوضح فيها حقيقة ما جرى.
المستغرب أنّ الرئيس ميقاتي الذي توفّرت بين يديه معطيات أساسية للدفاع عن نفسه لم يستخدمها أو أنه في خضمّ حالة الهيجان التي أصابت الرأي العام والسياسيين لم ينتبه إلى أن الدفاع عن نفسه سهل وبسيط، فهذه المساعدة الأوروبية لم تقرّ بعد وفي شهر تموز المقبل يفترض أن يناقش الإتحاد الأوروبي مقترح فاندر لاين للموافقة عليه أو لرفضه، وكما أنّ الموافقة مرجّحة فكذلك الرفض مرجّح، إلا إذا قرّر مجلس النواب اللبناني إلزام الحكومة برفض هذا الاقتراح الأوروبي عندها لن يكلف الاتحاد الأوروبي نفسه عناء البحث فيه.
لقد أشار البنك الدولي إلى أن الكلفة الجارية للنازحين السوريين في لبنان سنوياً تبلغ ملياراً و500 مليون دولار علماً أنّه يعتقد أنّ في لبنان فقط مليوناً و500 ألف نازح سوري، في حين أنّ الأمن العام اللبناني يقدّر عدد هؤلاء بمليونين و80 ألف سوري، وبالتالي فإنّ الكلفة السنوية الجارية للنزوح السوري تبلغ ملياري دولار سنوياً بحسب الأرقام اللبنانية، ما يعني أنّ المساعدة الأوروبية لا تغطّي سوى الجزء اليسير من هذه التكلفة إذ إنها تبلغ كل سنة 250 مليون يورو.
إنّ كل ما تقدّم يشير إلى أن ما قدّمته أوروبا أو ما تعتزم تقديمه لا يرقى لأن يقبل لبنان به كرشوة أو كبدل عن بقاء النازحين السوريين على أرضه رغم أن الأوروبيين قد يكون سعيهم في هذا الإطار لا سيّما أن العودة إلى سوريا بالنسبة لهم ليست متوفّرةً في الحدّ المنظور حتى الآن، فالاتحاد الأوروبي إضافة إلى الولايات المتحدة الأميركية وغيرها من الدول ليست مستعدةً بعد من أجل تطبيع العلاقات مع النظام السوري، وبالتالي لا تريد رفعاً للعقوبات ولا إطلاق عملية إعادة الإعمار وتمويلها كمدخل لعودة النازحين كما يطالب الرئيس بشار الأسد، وقد يمتدّ هذا الوضع لسنواتٍ طويلةٍ سيبقى فيها النازحون السوريون في لبنان، وسيواصل اللبنانيون إطلاق الصرخة تلو الأخرى آملين أن يؤدي التشدّد في التدابير والإجراءات المحلية إلى تكثيف العودة الطوعية والرحيل الطوعي.
*المصدر: نداء الوطن