حصاد 2025 عهد جديد.. والنهب قديم

انطوى عام 2025 في لبنان على مشهد سريالي بامتياز فبينما كان يسعى العهد الجديد لترميم هيكل الدولة المتداعي، كانت مزاريب الفساد والقضاء المترنح تثبت أن التغيير في لبنان ليس مجرد قرار رئاسي، بل هو معركة وجودية ضد نظام الإفلات من العقاب.
فبدأ العام بخرق جدار الأزمة السياسي عبر انتخاب قائد الجيش العماد جوزاف عون رئيساً توافقياً، حيث كان انتخابه بمثابة حقنة أكسجين لبلد يحتضر، خاصة مع خطابه الذي وضع الإصبع على الجرح حصرية السلاح وبناء دولة المؤسسات.
إلا أن طموحات العهد اصطدمت سريعاً بالواقع الميداني والقرار 1701. فبينما نجحت الدولة في تحقيق اختراق تاريخي بتنظيم السلاح الفلسطيني في مخيم عين الحلوة وتسليم السلاح الثقيل للجيش، ظلت الخطة الخماسية لحصر السلاح في الجنوب تراوح مكانها بين الضغوط الدولية والرفض المحلي المرتبط بالخروقات الإسرائيلية، مما أبقى السيادة منقوصة ومعلقة على حبال التوازنات الإقليمية.
لم يكن العام 2025 عام السيادة فحسب، بل كان عام الفضائح المدوية التي كشفت وصول الفساد إلى مستويات غير مسبوقة من الانحلال الأخلاقي، من جريمة دواء السرطان حيث تم تهريب أدوية بقيمة 40 مليون دولار وبيعها كيميائياً في السوق السوداء، وهي فضيحة تتجاوز السرقة لتصل إلى مصاف القتل العمد لمرضى لا يملكون ثمن النجاة.
الى ضرب التعليم الرسمي عبر تزوير العلامات في كلية الحقوق الفرع الأول حيث لم يكن مجرد رشوة، بل كان طعنة في قلب ما تبقى من صدقية للجامعة اللبنانية.
هذا غير الهدر المستمر من مرفأ بيروت إلى بلديتها، فقد أثبتت الأرقام أن مليون دولار في المرفأ و330 ألفاً في البلدية كانت عبارة عن هدر لا تزال مفتوحة على مصراعيها، وكأن الأزمة الاقتصادية لم تمر من هنا.
ويبقى الملف القضائي هو الأكثر إثارة للجدل في 2025، حيث تحول القضاء إلى باب دوار فخرج منه المتهمون بكفالات مالية بدت للبنانيين وكأنها صكوك غفران مدفوعة الثمن.
فخروج الحاكم السابق بكفالة تاريخية لدواعٍ صحية وترك ملف أوبتيموم واختلاس الملايين في مهب الريح.
وتوقيف الوزير السابق وشقيقه ثم خروجهما بكفالة 9 مليارات ليرة بذريعة تأخر المحاكمة، كرس انطباعاً بأن القانون يُطبق فقط على الضعفاء.
وجريمة حي كرم الزيتون قضية رولان المرّ التي  ظلت جرحاً نازفاً، حيث تحولت العدالة ببطء خلف متهمين يحتمون بمظلات سياسية ومصرفية، رغم صدور مذكرات التوقيف.
ورغم استعادة التحقيق في تفجير المرفأ لزخمه مع القاضي بيطار ورفع الحصانات، إلا أن نمط التوقيف ثم الضغط ثم الكفالة يهدد بهدم هيبة القضاء نهائياً.
لبنان في نهاية 2025 يقف على مفترق طرق، فإما أن ينجح عهد الرئيس عون في تحويل الوعود إلى أحكام قضائية نهائية تستعيد أموال الدولة وكرامة الضحايا، وإما أن تنضم فضائح هذا العام إلى أدراج النسيان، ليكون الأمير السعودي المزيف أبو عمر ليس مجرد محتال، بل رمزاً لدولة بأكملها تعيش على الأوهام والوعود الكاذبة.