"من وين بيروحوا على إسرائيل (فلسطين)"، سؤال طرحته الطفلة ليا جهير على والدتها. ولدى استفسار الوالدة عن سبب هذا السؤال، كان جواب ليا، ابنة الأربع سنوات: "بدي روح جيب بيّ من هونيك".
كبرت ليا عشرة أشهر بعيداً عن حضن والدها الصياد محمد علي جهير، الذي اعتقلته بحرية الاحتلال الإسرائيلي، من على متن مركبه، خلال صيد السمك، في بحر الناقورة الجنوبي.
قضية إنسانية ملحّة
ما يجول في بال هذه الطفلة وشقيقتها وشقيقها، يحتل أيضاً مساحة كبيرة في أذهان أمّهات وزوجات وأولاد. أكثر من عشرين أسيراً لبنانياً، موثقة أسماؤهم، إلى جانب عدد كبير من المقاومين، مفقودي الأثر. وتشكل قضية هؤلاء الأسرى واحدة من أبرز القضايا الإنسانية الملحّة بعد اتفاق وقف إطلاق النار في السابع والعشرين من تشرين الثاني 2024. لكن هذا الملف لم يخطُ خطوات فعلية، بسبب تعنت إسرائيل، باستثناء تسجيل الإفراج عن خمسة معتقلين مدنيين في آذار الماضي، كان قد تم أسرهم بعد وقف إطلاق النار، على مراحل مختلفة.
الأسرى اللبنانيون في سجون الاحتلال الإسرائيلي، القابعون في معظمهم في سجن عوفر، هم عشرة مقاومين من حزب الله، كانوا اعتقلوا في مراحل مختلفة من المواجهات، وتحديداً في عيتا الشعب، والقبطان عماد أمهز، وتسعة مدنيين. ولم تتلقَّ عائلات الأسرى أي معلومات رسمية من اللجنة الدولية للصليب الأحمر حول ظروف اعتقالهم واوضاعهم الصحية والنفسية. وكل ما تسرب من معلومات شحيحة عن بعض الأسرى، شهادات وإفادات من محررين لبنانيين وفلسطينيين، جمعتهم زنازين واحدة، في سجن عوفر.
الحكومة تتحمل المسؤولية
تحمّل عائلات الكثير من الأسرى الحكومة اللبنانية مسؤولية عدم القيام بالجهود الكافية لإطلاق أبنائها. ويشيرون بالتحديد إلى أنّ الحكومة لم تشترط للإفراج عن أحد المعتقلين الإسرائيليين، مقايضته ببعض الاسرى اللبنانيين. وتستغرب في الوقت نفسه تلكؤ المؤسسات الدولية والإنسانية والدول الراعية للجنة "الميكانيزم" المنبثقة عن وقف إطلاق النار.
تاريخ الثاني من شباط 2025، هو يوم مختلف في حياة عائلة محمد جهير، التي فرقها الاحتلال الإسرائيلي عن معيلها الوحيد، وأيضاً عن قريتها الناقورة، بعد أن دمرت منازل العائلة، لتصبح المعاناة والقسوة، مزدوجة.
على أبواب الشقة المستأجرة خارج الناقورة، علّق أولاد محمد جهير صوره، لتشكل لوحة مكتملة، ينظرون إليها مع كل حدقة عين. وتقول شادية حمزة، والدة الأسير جهير: "كان محمد كالمعتاد، برفقة قريبه، يصطادان السمك في بحرنا (الناقورة)، حيث أقدم جنود البحرية الإسرائيلية على اعتقال فلذة كبدي، بعد أن أطلقوا عليه رصاصة مطاطية أصابته في بطنه، في حين عاد قريبه إلى مرفأ الناقورة في أعقاب الإفراج عنه".
وأكدت حمزة لـِ "المدن" أنه حتى هذا اليوم، وعلى الرغم من انقضاء عشرة اشهر على اعتقال محمد، لم تتلق العائلة معلومات كافية حول ظروف المعتقل، من أي جهة دولية، لا سيما الصليب الأحمر، المعني بمثل هذه القضايا، وفق شريعة حقوق الإنسان. وأوضحت أنه بعد حوالى الشهر من الاعتقال، "أخبرنا أحد الأسرى اللبنانيين، أحمد شكر، ممّن تحرروا في آذار الماضي عبر معبر الناقورة، أنه التقى بولدي محمد، الذي أحضر إلى زنزانة شكر، بعد أن كان في السجن الانفرادي في سجن عوفر".
تتابع حمزة، وهي تحضن أحفادها الثلاثة (محمد، زهراء، وليا): "تواصلت مراراً مع الصليب الأحمر الدولي، لكن لم أحصل على أي نتيجة". فقد كان يخبرها المعنيون أن الإسرائيليين لا يسمحون لفرقهم داخل فلسطين بزيارة الأسرى والوقوف على حاجاتهم.
وتناشد حمزة المسؤولين اللبنانيين، وفي مقدمهم رئيسا الجمهورية والحكومة، القيام بما يلزم للإفراج عن الأسرى اللبنانيين، واعتبارهم مثل أبنائهما. فـَ "قلبنا محروق. نوم الليل ما عم ننامو. مش عارفين إذا عم ياكلوا، أو إذا عم يشربوا"، تقول.
هيئة المطالبة بالإفراج عنهم
تتحرك هيئة ممثلي الأسرى والمحررين، التي تضم عدداً من الجمعيات على أكثر من صعيد، من بينها تنظيم الوقفات الاحتجاجية والجولات على المعنيين. ويؤكد أحمد طالب، أحد مسؤولي الهيئة أنه يوجد لدى الهيئة لائحة بأسماء عشرين أسيراً لبنانياً في سجون الاحتلال، اعتقل عدد منهم بعد اتفاق وقف إطلاق النار، ومن بينهم صيادا سمك، جرى اعتقالهما أثناء عملها في بحر صور قبالة الناقورة، وأحد رعاة الماعز في بلدة شبعا.
وأشار طالب إلى أن الهيئة تواصل تحركاتها والوقفات التضامنية مع الأسرى، وهي بصدد إقامة يوم عالمي للتضامن مع الأسرى. كما أن الهيئة طلبت مواعيد مع الرؤساء الثلاثة، وسبق لها زيارة ممثلية الصليب الأحمر الدولي، التي كان ردها أن الإسرائيليين لا يسمحون لفرقها بزيارة الأسرى في السجون.
(حسين سعد - المدن )