مجدّدًا كسرت إسرائيل المحظور. ضربت في الضاحية الجنوبية، عمق حزب الله وبيئته الحاضنة. الاستهداف الأول بعد اتفاق وقف النار أصاب عمق العمق، ومن دون إنذار مسبق، في عدوان استهدف رئيس الأركان في حزب الله هيثم علي الطبطبائي وفريق عمله، وهو لن يكون الأخير.
دخلنا مرحلة جديدة تحدّث عنها رئيس حكومة إسرائيل بنيامين نتنياهو قبل أيام، مع اقتراب مرور سنة على وقف النار. عادت الحرب إلى الضاحية الجنوبية. وما شهدته أمس هو بمثابة فاتحة لأحداث ستأتي، وقد أعلن عنها رئيس حكومة إسرائيل بوضوح تحت عنوان:"لن نسمح لحزب الله بإعادة تكوين ترسانته العسكرية". والذين استُهدفوا، وبينهم الطبطبائي، هم الأشخاص الذين يملكون القدرة على إعادة بناء القوّة العسكرية لحزب الله. وهذا يعني أن الأوضاع تسير باتجاه مرحلة جديدة في الأشهر المقبلة، سيستمر فيها العدوان الإسرائيلي بتفاوت بين المسيّرات والطيران الحربي، ولن يكون معها أمان في أي منطقة من البقاع إلى الجنوب فالضاحية وحتى بيروت. والمؤكد أن تصعيدًا كهذا لن تمارسه إسرائيل ما لم يحظَ بموافقة أميركية ومساعدة في المعلومات الاستخباراتية.
حزب الله أمام مفترق
إسرائيل ضربت بعدوانها مقترح رئيس الجمهورية جوزاف عون، وضغطت على الحكومة والجيش لتنفيذ قرارات مجلس الوزراء، بدليل ما قاله نتنياهو: "نتوقع من الحكومة اللبنانية أن تفي بالتزاماتها وتعهداتها بتجريد حزب الله من سلاحه. فبهذه الطريقة يمكن أن نعيش في جوار آمن"، ليشكل كلامه ردًا مباشرًا على مبادرة عون وغيره من المبادرات المطروحة.
لم يعد هناك وجود لأي خطوط حمراء في قاموس نتنياهو، وهو يدرك أن حزب الله لن يردّ على العدوان، وإن كان في عمق الضاحية، بعدما تغيّرت الأوضاع في المنطقة تغييرًا جذريًا، وفقد حزب الله غطاءه الإقليمي والداخلي. وهو يعتبر أن الثمن الذي يتكبده منذ وقف النار يبقى تحمله أسهل من ثمن خوض حرب جديدة سيكون أكبر بكثير.
والاستهداف، كما مواقف نتنياهو، يمكن إدراجه في صلب الرد على مبادرة رئيس جمهورية لبنان وعلى المبادرة المصرية التي تحولت من مبادرة كلامية إلى ورقة، تتضمن مقترحًا مفصلًا سيكون في متناول المسؤولين لدراسته والنقاش بشأنه مع الموفد المصري الذي سيزور لبنان في اليومين المقبلين.
يبحث رئيس وزراء إسرائيل عن حروب مستمرة في المنطقة. وقد غادر جلسة محاكمته القضائية لعقد لقاء وزاري اتُّخذ فيه قرار باستهداف الضاحية الجنوبية واغتيال الطبطبائي، وقد حظي عدوانه بغطاء أميركي. وكرر سيناريو اغتيال الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله. ففي خضم الحديث عن مهلة هدنة لواحد وعشرين يومًا، اتخذ قراره باغتيال نصرالله. واليوم، وبينما يتقدم لبنان بورقته للتفاوض، واستباقًا لمقترح مصر، شنّ جولة حرب سريعة على الضاحية، مبلّغًا الميكانيزم أن لا نية لتوسيع العدوان، طالما أن حزب الله لن يرد.
لذلك، فإن حزب الله أمام مفترق كبير. وثمة من يقول إنه لا تزال أمامه فرصة لحماية نفسه تحت عباءة الشرعية اللبنانية، وإلا فأي اتجاه آخر سيكون بمثابة انتحار، وسيكون الحزب عرضة للاغتيالات مجددًا. واضح أن الحزب يتجه إلى مزيد من التشدد ويتحدث عن مواجهة، ويردد معادلة لم تعد موجودة، أي "جيش وشعب ومقاومة"، ويطلب إجماعًا وطنيًا، وهذا كله أصبح من الماضي، في وقت تتجه فيه الأمور نحو منحى تصعيدي.
قبل أيام قليلة تلقى حزب الله معلومات من جهات موثوقة، حذرته من أن إسرائيل ستتوسع في ضرباتها لتشمل الضاحية، كما أُبلغ أن جناحه السياسي هو أيضًا مهدد.
ماذا بعد الاستهداف؟
ماذا بعد استهداف الضاحية؟ وكيف سيتصرف حزب الله؟
فور وقوع العدوان استطلعت مصادر رسمية موقف حزب الله، وما إذا كان في وارد الرد، فجاء الجواب بالنفي. ولغاية اليوم، يلتزم الحزب سياسة عدم خرق اتفاق وقف النار، على رغم انتهاكه المتواصل من قبل إسرائيل. ويدرك أن أي رد سيحوّله أمام المجتمع الدولي وفي الداخل إلى معتدٍ، وستستأنف إسرائيل حربها.
يقف حزب الله بين خيارين كلاهما خطر: الرد على إسرائيل، والذي ستكون كلفته حربًا إسرائيلية واسعة، وعدم الرد، ما يعني انتفاء نظريتي الردع والدفاع في مواجهة إسرائيل.
وبعد اغتيال القيادي الفلسطيني صالح العاروري في أول ضربة استهدفت الضاحية، ومن ثم استهداف فؤاد شكر، شهد حزب الله نقاشًا حول احتمالات الرد، وانقسمت الآراء بين مؤيد ورافض، لينتهي إلى توصية بعدم الرد.
اليوم لم يعد القرار بحاجة إلى نقاش، لأن قرار الحزب واضح بالتزامه الصمت واتباع سياسة العضّ على الجرح، وهو يدرك أن الظروف من حوله قد تغيرت: سوريا الظهر الحامي لم تعد حامية، ناهيك بجو داخلي وعربي معادٍ.
ردًا على السؤال، يعتبر حزب الله أن المقاومة هي التي تحدد رد الفعل وتوقيته، وهي لن تمنح نتنياهو التوقيت الذي يريده للتصعيد، وتركز على وحدة الموقف والوقوف خلف الدولة لتقوم بما تراه مناسبًا.
يرى حزب الله أن إسرائيل تسعى إلى استفزازه ودفعه إلى رد فعل، وهو لن يمنحها ما تسعى إليه. كما أنه حريص على ألا يتمكن الإسرائيلي من نيل ما يريده بالتوقيت الذي يناسبه. وهو يتحمل الفاتورة الغالية كي لا يمنح إسرائيل فرصتها.
لكن بالرد أو من دونه، فإسرائيل تمضي في عدوانها، لتعلن أمس أن الضاحية ستكون تحت مرمى هذا العدوان بغطاء أميركي، ما يشير إلى جولة حرب سريعة، يتوقع البعض ألا تتجاوز الخمسة أيام.
(غادة حلاوي - المدن)