لبنان اليوم: أربعة أسباب للقلق

تابعت تصريحات أقطاب الحكم اللبناني بمناسبة عيد الاستقلال. المشكلة فيها لا تزال هي هي منذ بداية العهد: غياب المهلة الزمنيّة الواضحة لسحب سلاح حزب اللّه. نحن نسمع منذ أشهر وعودا رسميّة بأنّ الكابوس سينتهي. وبهذه الأثناء، يطلّ علينا نعيم قاسم دوريّا لينسف أسس الخطاب الرسمي ويؤكّد لنا أنّ سلاح حزبه باق. من نصدّق؟ حتّى اشعار آخر، أصدّق نعيم قاسم لأننّي أرى عنده تصميمًا لا أراه عند الرسميّين. إلغاء زيارة قائد الجيش الى واشنطن ليست تفصيلًا، وتوقيف نوح زعيتر لا يغيّر جوهر المعادلة. ليس انحيازًا مسبقـًا ضدّ الحكم اللبناني أن يسأل واحدنا نفسه ما إذا كان الخطاب الرسمي كلام للاستهلاك لا نيّة لترجمته بخطوات عمليّة تسحب السلاح من كلّ لبنان بالفعل لا بالقول. وهنا سبب أوّل للقلق بالوضع الحالي، عنيت معادلة ميليشيا مستشرسة، تقابلها سلطة تبدو كأنّها تتحرّك، اذا تحرّكت، غصبا عنها، وبحكم الضغط الدولي.

استطرادًا للنقطة الأولى، التموضع المستمرّ لرئيس الجمهوريّة بالوسط، وهو ما ظهر مجدّدًا بكلمته بعيد الاستقلال، مقلق بدوره. تبنّى الرئيس سرديّة المظلوميّة الشيعيّة اذ صوّب سهامه ضدّ من يتصرّفون وكأنّ هناك جماعة انتهت، بإشارة طمأنة واضحة للمكوّن الشيعي. بالحقيقة، الشيعيّة السياسيّة، بشقيها الرسمي والميليشوي، ليست ضحيّة حرب إلغاء بقدر ما هي بطلتها. ربّما فات الرئيس أنّ الاغتيالات السياسيّة التي أدمت حياتنا الوطنيّة منذ عقود طالت أعداء الميليشيا الشيعيّة، وأنّها المشتبه الأوّل بها. الاغتيالات إلغاء. منع المغتربين من التصويت إلغاء. خطاب الكراهية اليومي على مواقع التواصل ضدّ "صهاينة الداخل" إلغاء. بالمقابل، المطالبة بحصر السلاح بيد الجيش ليست إلغاء للشيعة، لاسيّما بعدما باتت أثمانه عليهم واضحة. لا ضرورة تاليًا أن يطمئن الرئيس الشيعة لأنّ أحدًا بلبنان لا يستهدفهم. والحال أنّ هناك بيئة لبنانيّة تناضل منذ خمسين عامًا في سبيل دولة حقيقيّة، ووطن يساع الجميع. هناك، بالمقابل، بيئة عندها مشروع، وخطاب، وسلاح، نقيض لأبسط مفاهيم للدولة. تموضع الرئيس بالوسط بين البيئتين يعني أنّ أزمة الرؤية الضبابيّة مستمرّة بالموقع الرسمي الأوّل.

أحوال الجنوب مقلقة بدورها. أكتب هذه الكلمات بعد قراءة خبر عن غارات اسرائيلية جديدة هناك، ومقتل عنصرين بـ "حزب اللّه". معلوم أنّ هذه الغارات مستمرّة منذ سنة؛ ما هو غير معلوم بالمقابل هو أفقها الزمني. هل تستمرّ سنة بعد؟ ثلاثة؟ عقد؟ درجت نظريّة بين المحلّلين اللبنانيّين أنّ ضربة اسرائيليّة كبيرة قادمة لانهاء وضع "حزب الله". ربّما تأتي الضربة فعلًا. أو ربّما تستعيض اسرائيل عنها بغارات شبه يوميّة تبقي لبنان على الصفيح الساخن لأجل غير مسمّى. ملالي إيران لن يتأثّروا كثيرًا بحفنة شيعة يلقون حتفهم بالجنوب – هل سألوا عن شعبهم الذي أفقروه وقتلوا منه من قتلوا لاسكاته، ليسألوا عن الجنوبيّين؟ ونبيه برّي سيتابع تصريحاته التي يقرأها واحدنا ويسأل نفسه ما إذا كان هذا الرجل قادرًا على الإتيان بموقف مفيد واحد بحياته. و"حزب اللّه" سيؤكّد أنّه تعافى، بينما يطلق لبنان الرسمي المزيد من رشقات الكلام. إذا حصل كلّ ذلك، واحتمال حصوله وارد، يعني أنّ جلجلة لبنان عبر جنوبه ستطول.

أخيرًا، بوصلة المجتمع المسيحي الضائعة مثيرة أيضًا للقلق. انتخابات نقابة المحامين وضعت حزبين ينبغي لهما أن يكونا معًا ضدّ بعضهما البعض. التعدديّة الحزبيّة عند مسيحيّي لبنان جيّدة؛ أراها نقطة قوّة لا ضعف. المشكلة بغياب مشروع واضح تجتمع قوى المسيحيّين حوله، بعد أن بات تهافت النظام الحالي بلبنان خطرًا على مستقبلهم فيه. يحتاج المسيحيّون للعمل على فتح مطار بالمنطقة المسيحيّة، ومرفأ، ووضع آليّات تضامن اجتماعي تساعد فئات سحقتها الأزمة الاقتصاديّة، وشباب عاجز عن الزواج والانجاب. هذا ما هو مطلوب نظريّا. ما هو موجود عمليّا هو تنافس حزبي لا ينتهي على كلّ موقع نيابي، أو نقابة، أو هيئة طالبيّة، دون أن يعطينا أحد جوابًا على أسئلة أراها جوهريّة من نوع، حسنًا، ما المشروع؟ ما الخطّة؟ ما أعدادنا بعد عشرين سنة من اليوم؟ وكيف ستستمرّ أحزاب مبنيّة حول أشخاص بعد رحيلهم؟

 

(هشام بو نصيف - ندتء الوطن)