هل باع بوتين "فاغنر"؟ ولمصلحة مَن؟

أدرك قائد مجموعة "فاغنر" يفغيني بريغوجين ان ساعته قد دنت، فرضخ للوساطة البيلاروسية، وارتضى أن يغادر في مقابل إسقاط الدعوى الجنائية المرفوعة ضده. واستسلم بخلاف ما يمكن ان يُتوقع لقائد انقلاب يملك ما يملكه من امكانات وعديد وعتاد.

لم تكن ذريعة بريغوجين بقصف الجيش الروسي مواقع قواته أكذوبة، أو هذياناً، بل كانت حقيقة، أدرك معها أن بداية النهاية اقتربت، وأن دور "فاغنر" القذر بات يزعج موسكو، بعد إزعاجه العالم كله، وتأكد له أن القصف كان متعمداً، لذا قرّر القيام بتحرّك عسكري يدفعه الى مفاوضة الكرملين على المرحلة المقبلة إنقاذا لما يمكن إنقاذه، أو الإستسلام بموجب اتفاق حماية. وكان الرئيس البيلاروسي جاهزاً للوساطة.

ربما يكون الهدف من دفع "فاغنر" الى الحرب الأوكرانية أن تخور قواها غرقاً في تلك الوحول، قبل أن يقطف الجيش النظامي الروسي نتائج عملها.

لم يقتصر دور "فاغنر" المتعاظم على الداخل الروسي، بل شاركت في عمليات قتالية في مناطق نزاعات مختلفة في العالم، في إفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية. واتُّهمت بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان وجرائم حرب في المناطق التي وُجدت فيها، إضافة الى قيامها بعمليات اغتصاب في جمهورية افريقيا الوسطى.

في سوريا، بدأت "فاغنر" عملياتها العسكرية عام 2015 دعماً للرئيس بشار الأسد، وقتلت القوات الأميركية المئات من مقاتليها في العام 2018. ويقول مسؤولون غربيون إن "فاغنر" تملك شركة "افروبوليس" التي تحصل على 25% من أرباح عدد من الحقول النفطية.

عملت "فاغنر" في ليبيا أيضاً، ولم تبرح عدداً من القواعد الجوية في الجنوب والشرق، التي يقول باحثون إنها تستخدمها نقطة انطلاق الى مواقع أخرى في افريقيا. ويضيف هؤلاء أن لـ"فاغنر" مصالح تجارية في ليبيا تشمل إنتاج الطاقة وشبكات تهريب محلية. وهي تتواجد في حقول نفطية مهمة.

ويُعتقد أن لـ"فاغنر" علاقة وثيقة بقوات الدعم السريع في السودان، وهي تحبذ الفوضى في البلاد للافادة من خيراتها لأنها ضالعة في تعدين الذهب هناك. وفي فنزويلا، ذكرت وكالة "رويترز" أن عناصر "فاغنر" تنتشر في العاصمة كراكاس منذ العام 2019، ولها مصالح مالية في غير قطاع...

ليس واضحاً بعد ما إذا كان بريغوجين دُفع دفعاً الى المواجهة، وتعرّض لخديعة كما حصل مع صدام حسين قبيل غزوه الكويت، بهدف تصفية المجموعة التي يرأسها، تحضيراً لمرحلة جديدة في نظام عالمي جديد، أو ما اذا كان قدَّم مصالح شركته العالمية على مصالح الكرملين، وارتبط بمصالح عابرة للقارات تجعل منه الرقم الصعب بما يتجاوز القيصر الروسي.

إن عملية إنهاء "فاغنر" على هذا النحو، والعمل على تصفيتها عبر العالم، ليست وليدة ساعتها، بل هي أقرب الى التناغم مع مجموعة متغيرات في العالم، ظهر منها شيء، ويُنتظر أن تبرز أشياء أخرى كثيرة، تحكمها مصالح اقتصادية ومالية كبيرة يريد العالم ان يتقاسمها مع سيد الكرملين لا مع مجموعات خارجة على القانون.

في خضم هذه المتغيرات، على الدول الصغيرة أن تخبّئ رؤوسها، وتنتظر ما ستسفر عنه التبدلات والتطورات، فلربما ترسم لها مسارات جديدة.