الانفتاح أم السرية؟ سؤال يواجهه رب العمل وقسم الموارد البشرية في أي شركة. هل يجب أن تعتمد الشركات مبدأ الانفتاح بشأن الأجور وتجعلها جزءا من ثقافتها التنظيمية؟ أو قد يؤدي ذلك إلى تشجيع الموظفين على طرح مخاوفهم بشأن الراتب في العلن ويكون ذلك عرضة للتشنجات والاستياء وربما استقالات؟
احتمالات كلّها واردة، الأمور كانت لتكون طبيعية وعادية ولكن في ظل الأزمة الاقتصادية التي خيّمت على لبنان أصبح الوضع صعباً ومعقداً في ساحة الريادة والعمل. وتعليقاً على ذلك، أوضح رئيس الاتحاد العمالي العام بشارة الأسمر أن الرواتب خسرت 95% من قيمتها، وبرأيه إن موظف القطاع العام أصبح فقيراً نسبة إلى راتبه ولا يستطيع الوصول إلى عمله، لذلك نشهد اضطرابات مستمرة، كذلك هو حال القطاعات العسكرية والمتقاعدين، فإن رواتبهم لم تعد تساوي شيئاً.
وأكد الأسمر في حديث خاص لـ"بلوبيرد" أن المعاناة هي نفسها في القطاع الخاص، إنما الوضع أخف حدة في بعض القطاعات السياحية كالمطاعم والمقاهي والمسابح، وبالتالي يمكن القول أن الوضع مقبولاً.
كذلك هو وضع الصناعات، فمقبول أيضاً، والواقع التجاري تحسن قليلاً، أي بالإجمال القطاع الخاص تأقلم مع الوضع الحالي.
وبخصوص السرية أو بالأحرى قانون شفافية الراتب، لا يوجد في القانون اللبناني أحكام ترعى مبدأ شفافية الأجور، سوى أن قانون الحق في الوصول للمعلومات اعتبر أن الرواتب من المعلومات السرية التي لا يجوز نشرها.
من جهته، أكد الطبيب النفسي جمال بشير حافظ، أنه من الناحية الوظيفية، يُعتبر الراتب في الدول الغربية والمتمدنة جزءا من السرية المهنية في كل المؤسسات. ففي فرنسا مثلاً هناك عقد سري لا يعرف أحد به سوى المدير العام والمحاسب، وأحياناً الدولة لأن في تلك البلاد لا توجد سرية مصرفية.
أما في لبنان، لا تُجبَر المؤسسات على إبلاغ الدولة بكيفية الدفع للموظف، إلا الضمان الاجتماعي الذي يبني على أساس الراتب تعويضات نهاية الخدمة. وبرأي حافظ، فإن الراتب هو موضوع داخلي أي نفسي، يخص الموظف وحده داخل المؤسسة التي يعمل بها.
وللأسف في لبنان هناك مشكلة كبيرة وهي أنه لا يوجد معدل أو معيار ثابت للرواتب، خاصة في القطاع الخاص. وفي القطاع العام "يتحايلون على القانون"، أي يعطون الموظف "إكراميات" وبدل نقل على سبيل المثال، ففي الضمان الاجتماعي كل شيء خارج الراتب يُعتبر من أساس الراتب في نهاية الخدمة.
وأضاف الطبيب النفسي: "القصة نفسية عند الموظف عندما يتعلق الموضوع بما يتقاضاه، ويُصبح الأمر حساساً. فهناك الكثير من الأشياء المتعلقة بالإنسان، خصوصاً أن في لبنان لا يوجد معايير مهنية وكل ما يتعلق بالشفافية والسرية وباحترام حرية الآخر، فلو كان كل هذا موجود لكان موضوع الراتب والشفافية عادي وكان الموظف تأقلم في تداوله له، ولكن لأن الإنسان بطبيعته ميّال للتأثر بالآخر، الأفضل أن يكون كل ما له علاقة بالراتب سري أو متعلق فقط برب العمل والعامل.
لو أن الأخلاق المهنية في أعلى مستوياتها لما كان الموظف يخاف من موضوع تداول ما يتقاضه، خصوصاً أن الإنسان يُصنّف على أساس ما في جيبه. أما في البلاد المتقدمة، فنشهد أن الوظيفة والراتب متداول والنقاش عنه لا يؤثر على أحد كون الموضوع عادي.
يمكن أن نخلص بالقول، أن تحديد الراتب مع كل إعلان وظيفي هو الشيء المعقول والأخلاقي الذي يجب القيام به. وإن هذه الممارسة مفيدة لأصحاب العمل والمتقدمين على حد سواء، فبهذه الطريقة، الأشخاص الذين لا يريدون الوظيفة بالراتب الذي ترغب في دفعه الشركة لن يضيعوا وقتهم ووقت الشركة الموظِّفة.
ببساطة قد يكون شعار أي شركة "هذا هو الأجر.. خذه أو اتركه، نحن لا نتفاوض"، وهنا يقرر المتقدم إما أن يقبل العرض أو يرفضه.
يجب أن لا يكون موضوع الراتب هاجساً يقف عنده الموظف ويخاف من التداول به، فإن الراتب لا يُقيّم ذاتك إنما قد يكون بوابة عبور لمستقبل مشرق.