اعتاد الشعب اللبناني أن يتعايش مع المخالفات اليومية في بلد لا يوجد فيه أي مقوّمات لاحترام القوانين والأنظمة، فأصبح مشهد النفايات على الأرض مثلاً، يوصف بـ "العادي"، أمام ما نشهده من مخالفات وفضائح أخرى.
في الضاحية الجنوبية لبيروت، وتحديداً في حارة حريك، بات ما يُعرف بـ"الفود تراكس" منتشراً بكثرة في كل شارع من شوارعها، حيث يحاول عدد من الشبّان يسعون لتأمين لقمة عيشهم، خلق فرصة عمل من خلال هذا المشروع البسيط. إلّا أن هذه البساطة ولّدت مشاكل مع البلدية، التي قرّرت بين ليلة وضحاها أن تزيل "الفود تراكس" عن الطرق معتبرة أنها "مخالفة للقوانين."
القرار أثار غضب أصحاب "الفود تراكس"، الذين أطلقوا الصرخة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، معتبرين أنه يُهدّد لقمة عيشهم وحياة عائلاتهم التي تعتاش من هذه الأكشاك. وعبّر البعض، بحسب الفيديوهات التي انتشرت، عن صدمتهم من القرار، كاشفين عن أنهم كانوا قد حصلوا على موافقة ضمنية من البلدية في بداية عملهم، وأن الأخيرة لم تطلب منهم أي رخص أو تفرض عليهم شروطاً وتركتهم يعملون. لذلك هم يسألون اليوم: لماذا هذا التوقيت لقرار إزالة "الفود تراكس"؟، متمنين على المعنيين الوصول إلى حلّ وسطي يُرضي جميع الأطراف.
نائب رئيس بلدية حارة حريك أحمد حاطوم أوضح، في حديث لـ "بلوبيرد لبنان" أنّ "المشكلة ليست جديدة، والمخالفات مستمرّة منذ فترة طويلة، فيما البلدية تسعى دائماً لحلّها"، نافياً أن تكون البلدية قد أعطت موافقات، مشدداً على أنها كانت "تتغاضى أحياناً تحسّساً منها بالظروف الاقتصادية الصعبة التي تمرّ على الجميع".
كما أشار حاطوم إلى أنّ "شرطي البلدية كان دائماً يوجّه إنذارات لهؤلاء الشبان، لا سيما أنهم يفتحون في ساعات متأخرّة من الليل"، قائلاً: "كل مين بيعمل ديك ع حيّو، لا حياة لمن تنادي!".
وأضاف أنّ قسماً من الشبان بات يملك أكثر من فرع، "بلشنا بـ 2 صاروا 8 وبكرا 80"، ومع تزايد "الفود تراكس" في الضاحية، تزداد زحمة السير والنفايات على الطرق، ما بات يثير غضب الناس والبلدية.
أمّا بالنسبة لقرار البلدية، أشار حاطوم إلى أنّ البلدية ستقوم بإقرار آلية تراخيص وعلى الجميع الالتزام بها تحت طائلة إزالة "الفود تراكس" عن الطرق وإقفالها.
وجدد تأكيده أنّ "ما يحصل مخالفة واضحة في القانون"، معلناً أنه تم تحرير أكثر من 350 محضر ضبط منذ أكثر من شهرين، بسبب المخالفات، "لكن أصحاب هذه المشاريع الصغيرة لم يتجاوبوا".
بالمقابل، "بلوبيرد لبنان" حاول التواصل مع أحد أصحاب تلك الأكشاك، إلا أنه فضّل عدم الحديث عن القضية لإفساح المجال أمام المفاوضات الجارية مع البلدية، للوصول إلى خواتيم سعيدة.
في بلد يفتقد للعدالة الاجتماعية، أصبح بين لقمة العيش وتنفيذ القانون، شعرة رفيعة جداً تحدّد مصير المواطن، إمّا العيش وسط الفوضى أو الغرق في جحيم الفقر.