لم يبقَ هيئة دوليّة أو منظمة حقوقيّة عالميّة لم تذكر أنّ ما تقوم به سلطات الاحتلال الإسرائيلي هو جرائم حرب وإبادة إنسانيّة بكل ما للكلمة من معنى، لكن من دون أن يغيّر ذلك شيئاً على واقع الأرض والميدان الذي لا يزال يدفع أثماناً باهظة بحكم السياسات الإسرائيليّة العدوانيّة.
الأمم المتحدة اعتبرت أنّ الحصار المفروض على غزة ينافي القانون الدولي الذي يمنح السكان المدنيين الحق بالحماية الكاملة في ظل الحروب أو العمليات العسكرية، ويحظّر أو يقيّد الإجراءات القتالية التي قد تسبب لهم المعاناة كما يمنع استهداف المدنيين مباشرة أو بشكل عشوائي أو الاقتصاص منهم، ويحظّر تعريضهم للجوع أو العطش، وهو ما قامت به إسرائيل من خلال الحصار الشامل المفروض على القطاع.
وكالة الأمم المتحدة لغوث اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) قالت إنّ «غزة تتحوّل بسرعة إلى حفرة من الجحيم». منظمة «هيومن رايتس ووتش» اتهمت إسرائيل باستخدام ذخائر الفوسفور الأبيض في عملياتها العسكرية في غزة ولبنان قائلة إن استخدام مثل هذه الأسلحة يهدد المدنيين بالتعرض لإصابات خطيرة وطويلة الأمد.
ومع كل المواقف إياها، تبقى الصورة الشاهد الأقوى على ما حدث ويحدث في غزة، إذ ليس هناك من رادع للقصف الانتقامي الذي يطال الأحياء المأهولة والأبراج السكنيّة. كما أنّ الدعوة الإسرائيليّة الوقحة لإخلاء المستشفيات (التي لا تزال تعمل بصعوبة بالغة) والطلب إلى الأهالي مغادرة القطاع ما هي إلّا موقف واضح في «ترانسفير» جديد لإعادة احتلال القطاع وتغيير المواقع الميدانية بقوة النار والحديد.
الأسوأ من كل ذلك أنّ المواقف الدوليّة برمّتها تتغاضى تماماً عن الإحتلال كمسبب رئيسي لكل ما حدث في 7 تشرين الأول ولكل ما سبقه، وتركّز حصراً على ما قامت به «حماس» في إطار كفاحها المسلح لتحرير الأرض المحتلة. وتتناسى تلك الأطراف الدوليّة برمّتها أنّ امتناع إسرائيل على مدى عقود عن الامتثال للقرارات الدوليّة وضربها عرض الحائط كل المواثيق الدولية من دون أن تتعرّض للمحاسبة والمساءلة، إنما هو سبب رئيسي أيضاً لتراكم القهر.
الدول التي تدّعي الديمقراطيّة وترفع راية حقوق الإنسان تشيح بنظرها تماماً عن جرائم الحرب الموصوفة التي تمارسها إسرائيل في غزة والضفة الغربيّة، وتكاد لا تذكر كلمة عن حماية المدنيين أو وقف إطلاق النار. هل يجوز، في المنطق السياسي والإنساني وحتى التاريخي، أن يكون قد مضى عدد كبير من الأيام على بدء العدوان الإسرائيلي ولم يقف أي مسؤول غربي لادانة حرب الابادة والمطالبة بحماية المدنيين ووقف إطلاق النار؟ متى يحين هذا الموعد؟ ومتى سوف تتبدل مواقف الحكومات التي تنصاع بغالبيتها الساحقة للمطالب الإسرائيليّة؟
في كل يوم، تكشف إسرائيل عن وجهها البشع وقد استهدفت مساء الثلاثاء المستشفى المعمداني في غزة ما أدّى إلى سقوط ما يزيد عن خمسمائة شهيد وجريح في أبشع جرائمها التي فاقت كل التوقعات. إنّها إبادة جماعيّة بكل ما للكلمة من معنى وهي تتجاوز كل القوانين والمواثيق الدوليّة، لكن الغطاء الدولي الذي توفّر لاسرائيل منذ اليوم الأول للحرب العدوانية التي شنتها على القطاع برمته لا يزال مستمراً.
يا لها من مفارقة: «أعرق» الديمقراطيات، كما تصنف نفسها تُغطّي القتل المنهجي! ولكن، مهما طال الزمن، لن يصح إلا الصحيح.
*المصدر: نداء الوطن