لا دخول في حرب من دون هدف استراتيجي وخطة وإمكانات لتحقيقه، إلّا إذا كان انتحاراً. ولا دخول من دون استراتيجية خروج، وإلّا كان كما في اجتياح إسرائيل برّاً لغزة، مجرّد قتل للقتل في حرب عدوانية عبثية. «حماس» تبدو واثقة من القدرة على مفاجأة الجيش الإسرائيلي داخل غزة بأكثر ممّا فاجأته داخل إسرائيل بعملية «طوفان الأقصى». كذلك الأمر بالنسبة الى «حزب الله» الذي حافظ على الغموض حول قراره بالمشاركة في الحرب، وسط الوضوح في التبادل المتدرّج للقصف مع إسرائيل على الجبهة الجنوبية وتكريس تطوّر في قواعد الإشتباكات. أما الجيش الإسرائيلي الذي أذلّته «حماس» في غلاف غزة، والعاجز عن ردّ القصف الصاروخي وهو يدمّر القطاع من الجوّ، فإنه يتصرّف كأنه يستطيع «محو حماس من على وجه الأرض» حسب ادّعاء وزير الدفاع يؤاف غالانت.
والسؤال في هذه الحرب ليس لبنان الى أين بل أين لبنان. وليس أين «حزب الله» بل الى أين يريد الذهاب والوصول. وليس أين القرار 1701 بل قوات «اليونيفيل» الى أين. والسؤال الأكبر هو عن الهدف الاستراتيجي للمشاركة في حرب غزة المرشّحة لأن تصبح حرباً واسعة: حرب إقليمية من أجل ماذا وما الذي تحقّقه؟ الواضح أن قرار «حزب الله» حول حجم الانخراط في الحرب ونوعه مبني على حسابات إقليمية، لا على حسابات الوضع اللبناني المنهار. فلا تعوقه حدّة الأزمات التي تضرب اللبنانيين. ولا كلفة الدمار الذي سيقع على رؤوس الجميع. ولا المشاركة في حرب من دون غطاء وطني وسياسي رسمي وشعبي، وسط مشكلة جديدة مع العرب والغرب من دون مباركة شرقية في الصين وروسيا. ولا هو يضع المعارضين لتوريط لبنان في حرب تهدّد بإعادته الى «العصر الحجري» إلا في خانة «الخيانة والعمالة لأميركا وإسرائيل».
ومهما يكن، فإن لبنان خسر سلفاً فرصة مفتوحة للإهتمام العربي والدولي به، والسعي لانتخاب رئيس وإخراج البلد من هاوية الأزمات. فاللاعبون المحليون بارعون في تضييع الفرص بالتصرف كأن الزمن مفتوح أمامهم، ثم تأتي أحداث وتطوّرات مثل حرب غزة تأخذ الإهتمام العربي والدولي الى مكان آخر. والأفظع فوق ذلك، أنه لا أحد نسي حربه الصغيرة ومصالحه الضيقة، وسط الأخطار الكبيرة. ولا سياسة طوارئ لانتخاب رئيس على الفور وتأليف حكومة تخرجنا من العقم والسخف والغطرسة والفساد على أيدي المافيا السياسية والمالية والميليشيوية.
مسكينة غزة، على الرغم من البطولات والتضحيات وإرادة التحدّي للعدو. لا مساكن للأحياء. لا مستشفيات للمرضى والجرحى. لا قبور للأموات. ولا ماء ولا كهرباء ولا غذاء ولا دواء بقرار إسرائيلي. مسكين لبنان، على الرغم من مفاخرة البعض بما كان عليه في الماضي الجميل، ومفاخرة البعض الآخر بما سيكون عليه في المستقبل المبني بالقوة. لا سياسة سوى الثرثرة. لا سلطة إلا فاسدة. لا أمل في دولة. لا أولوية للإنقاذ. ولا حركة تتقدّم على انتظار الآخرين.
و»عندما يصبح كل شيء سياسياً، فإن هذه نهاية السياسة»، كما يقول المؤرخ هالبيرتال.
المصدر: نداء الوطن