مشكلة لبنان أبعد من الحرب

لا حدود لإسرائيل في «إدارة التوحش» بما يتجاوز التدمير المنهجي لغزة وقصف المستشفيات والتهجير الى الإصرار على حذف شعب بكامله منذ 1948. ولا أولوية عربية وإقليمية ودولية تتقدم على استخدام كل الأوراق لوقف المذبحة التي تخطط إسرائيل لتوظيفها في «نصر إستراتيجي»، وإن كانت «حماس» تراهن، ومعها «محور المقاومة» بقيادة إيران، على تحويل الغزو البري الى «فرصة» لتدفيع الغزاة ثمناً كبيراً يشكل «هزيمة إستراتيجية». والباب المرصود، في الشرق والغرب، لتوسيع الحرب بحيث تصبح إقليمية شاملة أو لا، هو جبهة الجنوب في لبنان «المغيّب» كدولة وسلطة. أما اللاعب فإنه «حزب الله».

ومن الطبيعي أن يحرص «حزب الله» على إبقاء الجميع في الداخل والخارج في حال اللايقين حيال فتح الجبهة أو لا، فهو يفتح الباب قليلاً بشكل متدرج ومحسوب في مواجهة مع إسرائيل. ولا شيء يؤكد بقاء الفعل ورد الفعل خارج الأخطاء. ومن المهم والملح أن تنجح الإتصالات والنداءات والقراءات الواقعية لحال لبنان واللبنانيين المزرية سياسياً ومالياً وإقتصادياً وإجتماعياً في تجنيب الوطن الصغير التورط في حرب شاملة تدمر ما بقي منه. لكن من المهم أيضاً إيجاد حل للمشكلة الباقية إذا نجا البلد من توريطه في حرب شاملة. المشكلة هي إلغاء الدولة والحد الأدنى من دور السلطة الشرعية، عبر إعادة لبنان الى دور «الساحة» المربوطة بغزة وإستراتيجية إيران ومشروعها الإقليمي والتيار الفلسطيني الراديكالي الذي انقلب على السلطة الوطنية الفلسطينية الشرعية. ومختصرها أن مصير البلد يتوقف على قرار رجل واحد في الضاحية الجنوبية أو في طهران.

وليس من المعقول أن نبقى أسرى معادلة خطيرة هي: إما أن نذهب الى الحرب مع غزة الجريحة التي صنعت معجزة «طوفان الأقصى» وإما أن نكون «جبناء وخونة وتابعين للغرب وأنظمة التطبيع العربية». فالمعادلة الوطنية الصحيحة هي: لا إنخراط في حرب إقليمية شاملة، ولا حياد بالنسبة الى قضية فلسطين وخدمتها بوسائل عدة غير الذهاب الى حرب يقف ضدها العالم. فالحرب الشاملة ليست نزهة حتى بالنسبة الى القوى التي تمتلك متطلبات الحرب. أما بالنسبة الى لبنان المفلس، فإنها كارثة، بحيث تبدو «هيئة إدارة الكوارث» عاجزة عن ضمان الحد الأدنى من متطلبات الناس في الكوارث، قبل الحديث عن كونها رهينة هيئة مافيوية لصنع الكوارث.

من حق «حماس» أن تتمسك بتحرير فلسطين من البحر الى النهر. لكن من واجبها، ومعها «محور المقاومة»، إعداد ما يضمن تحقيق إستراتيجية التحرير على مراحل. فماذا تعني «وحدة الساحات» إذا اقتصرت فقط على غزة ولبنان في عالم عربي ذاهب الى التنمية المستدامة؟ أين تبدأ الأولويات لدى «محور المقاومة» في حماية المشروع الإقليمي الإيراني، وتنتهي في شعار «إزالة إسرائيل»؟ وكيف يمكن أن تدار حرب شاملة بالوساطة عبر وكلاء وإكتفاء طهران بـ»القيادة من المقعد الخلفي» في مواجهة الإنخراط المباشر الأميركي والأوروبي مع إسرائيل؟ المسألة ليست أن نذهب الى حرب شاملة أو لا نذهب بل أن يكون لبنان أو لا يكون.

البروفسور جوزف ناي يطالب بالإنتقال من «إستراتيجية الشطرنج ذات البعدين الى استراتيجية ذات ثلاثة أبعاد». أما نحن فلا نزال في سياسات الداما.

*المصدر: نداء الوطن