حرب الجنوب الصغيرة كبديل عن الحرب المفتوحة

كان من المتوقع أن تفشل القمة التي عقدت في القاهرة للبحث في الحرب على غزة. فعدا أنّ التمثيل غلب عليه المستوى الوزاري وليس مستوى رؤساء، وعدا الغياب الملفت لدولة اساسية هي الولايات المتحدة الأميركية، جرى قبل أيام معدودة إلغاء القمة الرباعية في الاردن والتي كانت ستناقش ورقة عمل ببنود محددة لتسوية سياسية لحرب غزة. وما من داع للتذكير مجدداً بأنّ اسرائيل التي استهدفت المستشفى بمجزرة وحشية ارادت إلغاء القمة لأنها تعتقد أنها قادرة على تثبيت النتائج السياسية بعد استكمال حربها العسكرية.

وهكذا كان واضحاً بأن الظروف لم تنضج بعد وسط تناقض واضح بين مشروعين لانهاء الحرب: الاول تسعى اليه واشنطن وخلفها معظم الدول العربية والذي يقوم على اساس إنهاء حماس من دون ان يعني ذلك تصفية الحضور الفلسطيني وبالتالي الذهاب الى حل الدولتين من خلال السلطة الفلسطينية، وهذا ما عَنَته دعوة الرئيس الفلسطيني لحضور قمة عمان. أما المشروع الثاني التي تريد الحكومة الاسرائيلية تنفيذه فيقوم على اساس إحداث ترانسفير لفلسطينيي غزة باتجاه صحراء سيناء تمهيدا للذهاب الى أحادية ونهائية الدولة اليهودية.

لذلك، كان مقدرا أن تفشل قمة القاهرة بانتظار ما سينتج عن العمليات العسكرية في غزة والمرجّحة لأن تطول. وقد تكون النتيجة الوحيدة التي سعت مصر لتحقيقها تتلخص بسعيها لاستعادة دورها المحوري الاقليمي من خلال احتضانها قمة عربية- أوروبية مشتركة وحيث تولّت القاهرة اصدار بيان عن الرئاسة المصرية كبديل عن الفشل في الاتفاق عن اصدار بيان ختامي.
وهو ما يعني أن الكلام الآن سيبقى للميدان وللتطورات العسكرية في غزة، وسط تحضيرات اسرائيلية بأن الهجوم البري سيطول لأشهر.

وعلى الرغم من التحذيرات الأميركية لا سيما على لسان بايدن بأن الذهاب الى عملية برية خطأ كبير، الا ان الحكومة الاسرائيلية تعتقد أن الحرب هي السبيل الوحيد لاستعادة الشعور بالامن والثقة عبر استعادة الردع الاستراتيجي، وهو ما يدفع بالشروع في الحملة البرية المُكلفة.


وزير الخارجية الاسرائيلي ايلي كوهين كان قد صرّح بأن مساحة غزة ستتقلص مع نهاية الحرب، والتي ستأخذ وقتاً، بحسب قوله، وليس اسبوعين أو ثلاثة. وهنا أقرّ كوهين باستحالة السيطرة على كامل غزة كما يطالب الوزراء المتطرفون في الحكومة، لكنه كرّر رفض حل الدولتين عندما أعلن معارضته ادخال السلطة الفلسطينية الى غزة بعد انتهاء الحرب.

وبالتالي، فإنّ المراقبين ينتظرون بدء الحملة البرية رغم القناعة الواسعة بأنها ستؤدي الى خسائر كبيرة في صفوف الاسرائيليين والغرق في رمال متحركة، وهو ما تراهن عليه واشنطن لجذب الحكومة الاسرائيلية للقبول بتسوية سياسية تقوم على اساس حل الدولتين. أضف الى ذلك بداية تَململ الشارع الاسرائيلي حيث سينقلب مزاجه مع تكبّد الجيش خسائر بشرية. وفي آخر استطلاع نشرته صحيفة «معاريف» بَدا أن 65 % من الاسرائيليين يؤيدون الغزو البري لغزة، وهي ليست نسبة مرتفعة نسبياً.


لكن السؤال يبقى حول ردود الفعل إقليمياً مع بدء الغزو البري لغزة.
فخلال الايام الماضية ارتفع منسوب السخونة على الجبهة اللبنانية -الاسرائيلية وتحرّكت الساحات المنضوية في اطار المحور الايراني. الرسالة الميدانية كانت بتجديد الالتزام بـ»وحدة الساحات». لكن ثمة تفسيراً آخر بأنّ الانذار الذي جرى توجيهه والذي طال قواعد عسكرية اميركية في سوريا ولبنان هدفه التحذير المسبق من رد عنيف في حال استهداف «حزب الله» في لبنان.
صحيح أن المسيرات التي استهدفت القواعد الأميركية ليست من العيار «الثقيل»، ما يعني ان المقصود رسالة تحذيرية، الا أنّ هذه القواعد تشهد حال استنفار تحسّباً لاستهدافات جديدة اكثر قوة مع تراجع في حركة المروحيات ووقف الدوريات وتقليص الحركة الى الحد الأدنى.

المصدر: الجمهورية