فيما آلة الحرب الإسرائيلية تدمّر غزة ونعيش «لا معلّقين ولا مطلّقين» رهائن لمشيئة حسين أمير عبداللهيان لو رغب في تجسيد «وحدة الساحات»، مزعجٌ التطرق الى زواريب السياسة المحلية والسؤال عما قاله وزير مُتذاكِِ لزميله «المعتَّر»، وعمَّن ملأ الشاشات مدَّعياً «خطة طوارئ حكومية» لا أثر فيها إلا للكلام المنمّق، وعمَّن ثرثر في «التوك شو» مفاخراً بدور البوق أو متبرعاً بولاء العَوام.
مؤسف بالطبع الإضطرار الى متابعة جولة جبران باسيل المفاجئة على القيادات والتساؤل البديهي عن صدق ما يبوح به بعد اللقاءات، وعما إذا كنا مخطئين في اعتبار ما يتفوّه به في كل الأوقات «كلام حق يراد به باطل»، كون التجارب معه ومع مُلهمه الكبير تدفع الى تحذير اللبنانيين من أن «يُلدغوا من جُحر» الرياء والانتهازية مثنى وثُلاثَ وأكثر.
والمسألة لا تتعلق بالحطّ من قدر سياسيين. فمكانتهم معروفة لدى جماعاتهم. ومواطنون كثيرون مستعدون للموت فداءهم. لكن، مقلقٌ فعلاً استمرار تربّعهم في مواقعهم متمتعين بمنافع السلطة ووجاهتها، ثم تصدّرهم مهمة الإنقاذ والمزايدة في الوطنية رغم مسؤوليتهم المباشرة أو المداوِرة عن تفكيك الدولة وإفلاس الخزينة وسرقة الودائع وضرب القضاء والتآمر على تحقيق تفجير مرفأ بيروت... على سبيل المثال.
تصريحات باسيل وأترابه وبعض مضيفيه المملوءة بـ»الحكمة» وبالحرص على الوحدة وبسيل الكلام «الجديد؟» عن إجرام اسرائيل، تدفع الى استصغار «مبادرات» أهل «المنظومة» اليوم إزاء جسامة أحداث كان يمكن تلافيها لولا ارتكابات «المنظومة» نفسها الحاوية مَن عاشوا «الجمهورية الثانية» وعاثوا فساداً وإفساداً متواطئين مع الوصاية السورية، والذين «تفاهموا» لاحقاً مع السلاح غير الشرعي على حساب السيادة والمؤسسات.
أمام باسيل والذين التقاهم «فرصة تاريخية»، قال بوجوب اقتناصها، مكرّراً دعوة الرئيس بري الخجولة لإنهاء الاستحقاق الرئاسي. ومع أملنا ألا تقتصر جولته على العلاقات العامة وإثبات الوجود، فإننا نتحدّاه أن يطالب «الثنائي الشيعي» بوقف التعطيل والتوجّه فوراً لعقد جلسة برلمانية مفتوحة تنتج رئيساً لكل اللبنانيين وفق ما ينص عليه الدستور. وإذا أراد باسيل فعلاً ملء فراغ بعبدا وليس «المبازرة» و»تغطية السماوات بالقبوات» فما عليه سوى التخلي عن الفيتوات ضد مرشحين توافقيين، ناصَبهم العداء لأسباب شخصية وحزبية لا علاقة لها بمصلحة لبنان.
لا أحد يعارض دعوة باسيل الى الوحدة الوطنية في المُلمَّات شرط ألا تكون غطاءً لمصادرة القرار الوطني، ولا تواطؤاً للتعمية على واجب رفع الصوت بقول «لا للحرب» واضحة وصريحة بلا لكْنة مراوغة، ولا «لكنْ» تشاطر.
يريد باسيل أن يؤدي دوراً إنقاذياً. ممتاز. ما عليه إلا أن يفعل عكس ما مارسه، هو وعمُّه، في ثلاثة عناوين: نبل السياسة، ونزاهة الإدارة، ووطنية التحالفات.
*نداء الوطن