لا يزال «طوفان الأقصى» يخطف كلامَ الأقلام وألسنةَ الإعلام، ويتقدَّم على أيِّ موضوعٍ آخر، على أساس: أنّ في الحرب تصمُتُ الثرثرة...
الإستحقاق الرئاسي في لبنان، كان قبل طوفان «غـزة» غارقاً في بحـورٍ من الثرثرة، وكان كلامُ اللّيل فيه يمحوهُ النهار، وكنّـا نحنُ الجاريةَ التي اشتهاها أمير المؤمنين هارون الرشيد.
العربَدةُ العسكرية في «غـزّة» ومدافعُ الإحتلال لا تزال كالثيرانِ الهائجة بلا وشاحٍ أحمر يردع ولا لجامٍ دوليٍّ يقمع.
القمّـة الدولية الرفيعة المستوى التي التأمتْ في القاهرة ، كانت شبيهةً بالقمـم العربية السيِّئةِ الصّيت ، والقادةُ العرب باتوا يتهيَّبون القمـم، منذ أنْ قال فيها وفيهم الشاعر عمر أبو ريشة ذات يوم:
خافوا على العارِ أنْ يُمحَى فكانَ لهُمْ على «الرباطِ» لدعمِ العارِ مؤتمرُ
جبابرةُ العالم الكبار الذين تمثّلوا في القمـة المصرية، هم جبابرةُ حربٍ لا رُعاةُ سلام، الكاتب الأميركي «جوفري بيريت» يقول: «إنّ الولايات المتحدة أمَّـةٌ صُنعَتْ بالحرب ، وبالحرب احتلّت أميركا مركز الصدارة العالمية ...».
وهكذا، شأن روسيا والصين وبعض أوروبا ، دولٌ غالباً ما تتقاتل في ما بينها بالحرب الباردة، وتتقاتل بالحرب الساخنة بواسطة الدول الصغرى وشعوبها. أليسَ أنّ الأقطاب الدوليين الذين تمثلوا في قمـة القاهرة هم أيضاً أعضاء في منظمة الأمم المتحدة ومجلس الأمن ...؟
هناك 78 قراراً لمنظمة الأمم المتحدة ومجلس الأمن دعماً للحق الفلسطيني، قراراتٌ من عُمْـرِ الأمم المتحدة التي تأسست سنة 1945، وعلى مـدى 78 سنة كانت وكأنَّها ما كانت... قراراتٌ مكتوبةٌ بالماء، والعينُ الإسرائيلية عمياء، والأذن الإسرائيلية صمّاء، لا تسمع إلاّ صـوت المدفع، والمدفع لا يسمعُ صـوتَ القانون الدولي، ولا صوتَ الضميرِ ولا صوتَ الحـقّ.
وقلْ: «لو اتّبـعَ الحقُّّ أهواءَهُمْ لفسدتِ السماواتُ والأرضُ ومَنْ فيهنّ..» (1)
لفتَتْني في القمّـة المصرية مداخلةُ الملك الأردني عبداللـه الثاني، وهو يوجّـه كلامه إلى قادة الدول الغربية فقال: «لماذا تكون حياة الإنسان عندنا أقـلَّ قيمة من حياة الإنسان عندكم...؟».
ألاَ تشكلّ هذه المقارنة عِبـرةً لنا...؟ وحياةُ الإنسان عندنا وعلى يدنا، لم تكنْ قيمتُها أفضلَ مـمّا هي على يدهم...؟
ثمّ، ما هو الغَرضُ الأقصى من هذا الغزوِ المتوحش لطوفان الأقصى، فتّهدَّمُ المستشفيات والمساجد والكنائس والمدارس والمباني الإدارية والسكنية، ليصبح قطاع «غـزة» أرضاً محروقة غير قابلة للحياة... يُدْفَـنُ فيها مَـنْ يولَـدُ عليها...؟
فهل هذا يعني إنهـاءَ حـلِّ الدولتين، وقد تلقّت فلسطين وعـداً دولياً آخر إسمه «وعـد بلفور» آخـر، حين قال الرئيس الأميركي «جـو بايدن»: «لو لم تكن إسرائيل لكنّا أنشأناها»...؟
أوْ، أنّ حـلّ الدولتين يصبح متاحاً بتقويض طاقة حماس العسكرية، لأنّ إسرائيل لن توافق على دولة فلسطينية معسكرةٍ مع حماس وتفضّل دولـةً مسالمةً مع محمود عباس...؟
وفي كلتا الحالتين: لن تكون إسرائيل دولةً آمنـةً إزاء هذه الصرخة العالمية الشعبية الجارفة تنديداً بالمجازر الإسرائيلية، وقد انقلبت الشعوب الغربية على قادتها بما يهدّد استمرار هذه القيادات، كمثل ما انقلبت الشعوب اليهودية في الغرب كما في إسرائيل على قيادة نتنياهو...؟
على صعيد لبنان: فلبنان قبل «طوفان الأقصى»، كان غارقاً في طوفان الإنهيار الحياتي، وطوفان الإنهيار السلطوي، وطوفان النزوح البشري.. نحن من دون دول المنطقة لا نخاف الحرب.. وماذا بقي من لبنان لنخاف عليه..؟ والمنظومة التي حكمت كان فضلُها سابقاً وقد حطّمت في لبنان ودمّرت بما يفوق ما يقوم بـه العدوّ من دمار وخراب.
وعلى الصعيد الفلسطيني: هناك إصرارٌ على الإستمرار في مواجهة العدوان مهما تطلّب الأمر من أرواح بريئةٍ تُزهق، ودماءٍ مقدسة تُسكب في الأرض المقدّسة.
وقديماً: ردَّ ماوتسي تونغ : على مَـنْ هـدّد الصين بحربٍ نووية فقال: لا بأس في أن يموت نصفُ الشعب ليحيا النصف الآخر.
*المصدر: الجمهورية