غزة: مرحلة جديدة والمفاجآت واردة

ذلك أنّ الدوائر السياسية لا ترى نهاية قريبة للحرب ولا حتى أي وقف لإطلاق النار، بل على العكس هناك تحضير لمراحل جديدة لا تقلّ خطورة عن تلك التي مرّت. ولأجل ذلك حرصت السلطات الايطالية للوقوف على تقييم اللواء عباس ابراهيم كونه مطّلع بشكل كبير على موقف «حزب الله».

والقلق من استمرار الحرب يُظهر بوضوح مع اعتذار أكثر من عاصمة عربية في التورّط بدور في ملف تبادل الأسرى بين حماس واسرائيل، خشية أن تنفّذ اسرائيل عملية خداع وتضليل. وبالتالي، تحميل أوزار ما قد يحدث للدولة الوسيطة. ذلك أن الانطباع العام هو بأنّ الحكومة الاسرائيلية تريد أثماناً ميدانية تؤدي الى إنهاء حركة حماس والقضاء على نفوذ ايران داخل الساحة الفلسطينية، والسعي لتثبيت حل الدولة اليهودية من خلال واقع ميداني جديد. فسياسة اليمين الاسرائيلي قائمة على أساس الدولة الواحدة وليس الدولتين، وبالتالي فإنّ اقتراح اعادة السلطة الفلسطينية الى غزة هو نقيض لهذه السياسة.

وقرأت الاوساط المتابعة باستهداف سيناء بصواريخ حوثية سعياً لتوسيع دائرة الحرب، خصوصا وسط مطالبة حماس المُلحّة بذلك، والتي عبّرت عنه بشتى الاساليب إن باتجاه «حزب الله» او حتى باتجاه الحوثيين وايران. لكنّ استهداف القواعد الأميركية بقي تحت سقف محدد ومدروس وبوتيرة محدودة وعبر انواع مسيرات غير متطورة وهو ما يؤدي الى اضرار محدودة جدا. وجاءت الغارة الأميركية على مواقع الحرس الثوري شرق سوريا لتؤكد وجوب عدم التمادي، ذلك أن السنة الانتخابية الاميركية لا تحتمل سقوط اصابات كبيرة للجيش الاميركي، وبالتالي فإنّ اللعبة خطيرة. ولهذا السبب نشر البنتاغون حوالى 900 جندي جديد في الشرق الاوسط متخصّصين في عمل بطاريات الدفاع الجوي للارتفاعات الشاهقة (ثاد) وبطاريات باتريوت. فهامش الخطأ ضيق جدا. وهو ما يعني استطراداً أنه وبعد ثلاثة اسابيع على بدء الحرب، دخلت المنطقة في مرحلة جديدة يقف فيها الجميع على حافة الهاوية تحسّباً لتطورات أخطر.

ولأن المخاطر مرتفعة والمفاجآت واردة، باشرت واشنطن معالجة النقص الاستراتيجي في مخازن الذخائر والاسلحة بعدما أدّت حربا أوكرانيا وغزة لاستهلاك الكثير منها. لا بل طلبت واشنطن من حلفائها الاوروبيين العمل مثلها على زيادة انتاج مخزون الذخائر ورفع مستوى انتاج المصانع الحربية. ذلك أن القيادة العسكرية الأميركية تحسب لاحتمالات اتساع رقعة المواجهات خصوصا اذا تدحرج الوضع ودخل «حزب الله» الحرب. كما أن واشنطن تضع دائماً في حساباتها التحوّط من احتمال نشوب حرب في شرق آسيا، ولو ان احتمالاتها ضعيفة جداً لكن لا بد من وضعها في الحسبان. وهنا لا بد أيضا من الاشارة الى الاستنتاجات التي تخرج بها دوائر انتاج الاسلحة حول فعلية الاسلحة الجديدة، والتي يجري اختبارها في أوكرانيا وغزة.

وفي الوقت الذي تعمل فيه الدوائر المختصة «للاستفادة» من الميدان، تسعى روسيا لتحسين مواقعها في أوكرانيا وفي الوقت نفسه تراقب بانزعاج الترتيبات القائمة لإنجاز سلام سريع بين أرمينيا وأذربيجان، والذي تدفع به تركيا. ودمشق أيضا تريد استغلال الفرصة لتحقيق تقدّم ميداني في ادلب، وهو ما لم توافق عليه موسكو لعدة اسباب. أما في الجنوب السوري فهناك مسارعة لتثبيت وتكريس صيغة الادارة الذاتية من خلال استمرار الاحتجاجات ومشاركة وفد من درعا للمرة الأولى. وهو ما يعني أن غزة تدفع باتجاه تثبيت وقائع جديدة من خلال استغلال الظرف. أما في لبنان فالطبقة السياسية نفسها لا تنتج سوى تعميق الأزمات، بسبب سلوكها القائم على أولوية المصالح الذاتية والشخصية لا المصلحة العامة.

وتسخر أوساط ديبلوماسية في الفاتيكان من هذا السلوك اللبناني المعيب، والذي يؤدي دائماً الى التدمير الذاتي. فبدل تحصين الذات بتأمين الحماية السياسية للمؤسسة العسكرية نرى تهافتاً على تفسيخها من الداخل فقط لغايات شخصية وذاتية أدّت طوال المراحل الماضية الى ضرب مؤسسات الدولة وتدميرها، ورغم ذلك لم يتّعِظ أحد.

المصدر: الجمهورية