لا حرب شاملة بلا مشروع سياسي

لا أحد يتصور أن عملية «طوفان الأقصى» كانت نوعاً من ضربة حظ. ولا بالطبع أن «حماس» خططت وقامت بعملية زلزلت إسرائيل من دون حساب لردة الفعل في اليوم التالي وما بعده. والحسابات ليست فقط عسكرية لمواجهة العدو المهاجم بل أيضاً سياسية وإقتصادية وحتى ديبلوماسية. لكن حرب غزة كشفت ثغرة كبيرة في إستعداد الجبهة الداخلية للمواجهة، بحيث بدت إسرائيل قادرة على أن تتحكم بكل شيء تقريباً في القطاع: الماء، الكهرباء، الدواء، الفيول، الغذاء والإتصالات. والتحدي كبير جداً بالنسبة الى المقاومة في خوض حرب طويلة بإقتدار وكفاءة وشجاعة من دون قدرة على وقف التدمير المنهجي بالقصف الجوي.

وحال الجبهة الداخلية في لبنان مزرية سياسياً ومالياً وإقتصادياً وإجتماعياً، من قبل حرب غزة التي تقول مديرة صندوق النقد الدولي كريستينا جورجيفا إنها «بدأت بالفعل التأثير على الإقتصاد في لبنان والأردن ومصر». غير أن في كل من الأردن ومصر دولة تواجه وتخفف التأثر. أما في لبنان، فلا دولة، ولا حتى سلطة غير مشلولة ومفلولة، بل مقاومة إسلامية تقرر دعم غزة. وإذا كان «حزب الله» يضع في قراره العسكري حال الجبهة الداخلية، فإن النظرة الى الجبهة الداخلية ليست العامل الوحيد في قرار الحرب، وإن كان تجاهلها خطيراً. والعامل المقرر في كل الأحوال هو ما سماه كلازفيتز في كتابه «عن الحرب»: «أهمية الهدف السياسي».

ذلك أن المخاوف والتحذيرات الداخلية والخارجية من توريط لبنان في حرب شاملة ليست من فراغ. لكن المحاولات اللبنانية والعربية والدولية للحصول على جواب حاسم من «حزب الله» كانت تمارين في العبث. فلا صمت السيد حسن نصرالله سوى إشاره الى دقة الموقف والقرار والحفاظ الضروري على الغموض. ولا ما يقوم به «حزب الله» عسكرياً عبر الجبهة الجنوبية لدعم غزة سوى قتال مضبوط في لعبة تبدو مفتوحة على التطورات. ولا خطأ في قراءة المواقف الإقليمية والدولية في الغرب والشرق الرافضة لتوسيع الحرب خوفاً من تحولها حرباً إقليمية شاملة تهدد بأن تصبح دولية. فهل هناك من له مصلحة في ذلك؟

ما على الخائفين كما على المتحمسين للحرب وضعه في الإعتبار أولاً هو أنه لا مجال لحرب إقليمية بالإستدراج والفعل ورد الفعل. ومن باب إنكار الحقائق والصراعات الجيوسياسية والإستراتيجية بين الإمبراطوريات إختصار السبب في اندلاع الحرب العالمية الأولى بإغتيال ولي عهد الإمبراطورية النمسوية-المجرية في سراييفو على يد شاب صربي. ما يقود الى حرب إقليمية هو مشروع كبير يتصور صاحبه أن الحرب تؤدي الى تحقيقه مهما تكن الكلفة كبيرة. ولا شيء يوحي ان إيران ترى في حرب إقليمية حالياً «قابلة» لولادة شرق أوسط إسلامي تعمل له عبر مشروعها الإقليمي. ولا أحد يجهل أن إسرائيل عاجزة وحدها عن خوض حرب إقليمية واسعة، بصرف النظر عن مشروع اليمين المتطرف. وليس لدى أميركا مشروع كبير في الشرق الأوسط يمكن تحقيقه في حرب شاملة الى جانب حرب أوكرانيا والمشروع الأطلسي. وتجربة الغزو الأميركي لأفغانستان والعراق تكفي لردع الرؤوس الحامية في واشنطن.

لكن الجانب الإقليمي والدولي في حرب غزة ليس قليلاً. وتأثير هذه الحرب على غزة والضفة الغربية وإسرائيل والمنطقة لن يكون أقل من زلزال جيوسياسي.

كان كليمنصو يقول: «الحروب هي سلسلة كوارث تقود الى نصر، لكن صناعة السلام أصعب من صناعة الحرب». ونحن في لبنان والمنطقة نعرف ذلك وندفع ثمنه باللحم الحي.

المصدر: نداء الوطن