الصفاقة التي يدير بها الغرب ملف الحرب الهمجيّة التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، هي بمثابة فضحية أخلاقية وإنسانية بكل معنى الكلمة. أن يشيح الغرب، بمعظم حكوماته، النظر عن القتل الجماعي والإبادة التي تمارسها إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني مؤكداً «حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها» في تكرار ببغائي مقيت، هو ضربة للعناوين والشعارات التي رفعتها تلك الدول على مدى عقود حيال تمسكها بالديمقراطيّة وحقوق الإنسان.
غريبٌ كيف أنّ الغرب يتغاضى عن قتل الأطفال الفلسطينيين، وصاروا بالآلاف، بعد أن كان مستعداً للقيام بكل ما يلزم للدفاع عن أوكرانيا إزاء الغزو الروسي واصفاً إياه بالاحتلال! وغريبٌ كيف يتغاضى عن الحصار الكامل المفروض على القطاع (منذ سنوات طويلة بالمناسبة) وليس فقط منذ اندلاع الحرب في السابع من أكتوبر من دون أن يرف له جفن.
ألا تكفي المجازر التي وقعت لغاية اليوم في المستشفى المعمداني ومخيم جباليا وسواها من أعمال القصف والتدمير التي لا تتوقف ليل نهار، لكي تبدأ المطالبة بوقف إطلاق النار؟ ثم ماذا تعني الهدنة الإنسانية التي بدورها لا تُطبّق؟ هل تعني التوقف المؤقت عن القصف لإدخال الشحيح من المساعدات الغذائيّة والطبيّة ومن ثم استئناف عمليّة القتل المنهجي؟
عدد الشهداء في قطاع غزة ناهز الثمانية آلاف، من دون احتساب أكثر من 1500 شهيد تحت الأنقاض يُشكّل تركهم بين الركام كارثة بيئية عدا عن فداحة خسارتهم كأفراد. بالمناسبة، شهداء غزة ليسوا مجرّد أرقام يزداد تعدادهم مع مرور كل ساعة. هؤلاء أشخاص لهم أسماء وحياة وعائلات وذكريات وأقارب. اللائحة التي صدرت عن وزارة الصحة في غزة منذ أيام مخيفة ومحزنة، وعلى الأرجح أن طواقم الوزارة غير قادرة على تحديثها دورياً بسبب كثافة القتل. ماذا عن الأطفال الذين فقدوا أهاليهم وصاروا أيتاماً من دون معيل؟ ماذا عن الأضرار النفسيّة الهائلة لهذا الجيل بكامله من الأطفال عدا عن الأضرار الجسديّة؟ كيف سيخرجون من هذه المآسي وكيف سيتجاوزون مشاعر الحزن الثقيل وقد شاهدوا الموت يقترب منهم ويخطف من أمامهم من يحبون؟ الطبيب الفلسطيني الجراح غسان أبو ستة الذي غادر لندن وانتقل إلى غزة بداية الحرب للقيام بواجبه الإنساني والطبي إلى جانب العشرات من الصامدين في القطاع الطبي والتمريضي، وصف هذه الحرب بأنها «حرب إسرائيل على الأطفال»! تخيّلوا، كل 15 دقيقة يُقتل طفل في غزة! والعالم لا يزال يمنح إسرائيل الوقت لمواصلة عمليّة القتل دون هوادة.
لقد آن أوان تصحيح السرديّة التي تسري في وسائل الإعلام لا سيّما الغربيّة للقول إنّ هذه الحرب لم تبدأ في السابع من تشرين الأول، وهي لم تأتِ من فراغ كما قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيرس ومن ثم انقض عليه مندوب إسرائيل. هي نتاج النكبة التي وقعت قبل 75 عاماً وهي بمثابة الجرح الذي لا يزال ينزف. لإسرائيل تاريخ طويل في رفض الامتثال لقرارات مجلس الأمن الدولي والأمم المتحدة، ولرفض تنفيذ قرارات «الشرعيّة الدولية» إذا كان هناك فعلاً ما يُطلق عليه تلك التسمية التي سقطت مع سواها أمام فظاعة المشاهد الآتية من فلسطين. أن يشاهد العالم برمته انتهاك إسرائيل للقانون الدولي وأن يغطي الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانيّة، فهي سقطة لا يمكن القبول بها.
في الختام، تحية لأميركا اللاتينيّة. بوليفيا قطعت علاقاتها مع إسرائيل وتشيلي وكولومبيا تستدعيان سفيريهما من تل أبيب. شكراً.
*المصدر: نداء الوطن