الصين وسيطاً في حرب إسرائيل على غزة

بعد مرور شهر عليها، لا تزال حرب إسرائيل على غزة مثار الكثير من التحليلات والتوقعات بشأن ما ستسفر عنه. وإذا كانت يوميات الجرائم والفظائع الإسرائيلية بحق مدنيي غزة وعمرانها لا تترك أهوالها إنسانا في العالم مسترخياً في روتين إنشغالاته، تنشغل الدول في تدقيق مواقفها وجعلها أكثر انسجاماً مع مصالحها ومع حراك شعوبها الذي أثارته الحرب في شوارع معظم مدن العالم. فمن كان على تأييد مطلق لإسرائيل، أخذت إبادتها الجماعية "غير المتوقعة" للمدنيين الفلسطينيين تجبره على الإنسحاب المتدرج من هذا التأييد الحاسم، ومن كان يدعم الفلسطينيين أصبح أكثر حسما في دعمه. ومن كانت مصالحه تجعله يعتقد بإمكانية الوقوف في الوسط، أخذت هذه المصالح تقول بعقلانية محاولة لعب دور الوسيط. 

البعض لا يزال يبحث في دوافع رجال غزة وهدف هجومهم، وبعض آخر لا يزال يتخيل سيناريوهات الحروب التي قد تسفر عنها الحرب الفلسطينية الإسرائيلية الجديدة، وثالث يبحث في أثرها على النظام العالمي أحادي القطب وإمكانية بروز آخر ثنائي القطب أو متعدده.

موقع Postimees.ee في إستونيا البلطيق نقل عن الخبير بشؤون الأمن ورئيس لجنة العلاقات الخارجية في برلمان إستونيا Marco Mihkelson قوله بأن الحرب الفلسطينية الإسرائيلية الجديدة تهدد بنشوب حرب بين روسيا وحلف الناتو، وكذلك بحرب بين الصين والولايات المتحدة. 

موقع INOSMI المتخصص بترجمة الصحافة الأجنبية في وكالة نوفوستي نقل في 5 الجاري عن موقع UnHerd البريطاني تساؤله "هل تؤدي المواجهة بين إسرائيل وحماس إلى حرب عالمية؟". وأضاف إليه عنواناً ثانوياً "في حال التصعيد في غزة سيدخل الغرب في صراع ضد روسيا والصين". 

صحيفة الحكومة الروسية RG كانت في آخر الشهر المنصرم تبحث عن مآل غزة في هذه الحرب، ولا تزال تبحث في دوافع حماس من ورائها. فقد نشرت في 30 المنصرم  نصاً بعنوان مقتضب "ماذا سيحدث لغزة؟". قالت الصحيفة بأنه كلما طال أمد بقاء الجيش الإسرائيلي عالقا في معارك المواقع في قطاع غزة، كلما أصبحت الأهداف الحقيقية لعملية حماس في 7 تشرين الأول/أكتوبر أكثر وضوحا. وقالت الصحيفة أنه، إضافة إلى الأهداف التكتيكية المتمثلة في أخذ الرهائن وإذلال الآلة العسكرية للدولة اليهودية، كانت عمليات الفلسطينيين تتوخى أهدافاً إستراتيجية بعيدة المدى. فقد كانت قيادة حماس تدرك أن الهجوم على البلدات الإسرائيلية المجاورة لغزة سوف يستدعي ردة فعل غير متناسبة من جانب إسرائيل، وهو السيناريو الذي كانت تعول عليه حماس. ووقعت القيادة الإسرائيلية في "الفخ الدعائي" الذي نصبته حماس بمهارة. فإذا كان يُنظر في البداية إلى الأعمال العسكرية التي قامت بها الدولة اليهودية ضد حماس على أنها رد فعل طبيعي على هجوم إرهابي، فبعد هجمات واسعة النطاق على غزة، مصحوبة بمقتل مدنيين، بدأ العالم يتحدث عن الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني. ومع كل تدمير جديد لأهداف مدنية ودينية في الجيب الفلسطيني، يرتفع عدد المعادين لإسرائيل ليس وسط المسلمين فحسب، بل وسط ممثلي الديانات الأخرى أيضاً.

الصين التي اعتبر مؤسسها ماوتسي تونغ القضية الفلسطينية "حركة تحرر وطني"، لم تذهب الآن إلى هذا المستوى في تأييد الفلسطينيين، بل اتخذت موقفاً مشابهاً للموقف الروسي في اعتبار الرد الإسرائيلي غير متناسب مع هجوم حماس، والمطالبة بحل الدولتين. ومع أن حجم التبادل التجاري مع إسرائيل يبلغ مليارات الدولارات، إلا أنها غلبت مصالحها النفطية مع دول الخليج، وأخذت تفصح عن نيتها لعب دور الوسيط في هذه الحرب.  

موقع الخدمة الروسية في BBC نشر في 2 الجاري نصاً بعنوان "ما هي الفوائد التي تتوقعها الصين من محاولة التوسط في الحرب بين إسرائيل وحماس؟". ترى كاتبة النص Tessa Vaughn بأنها مفاجئة "إلى حد ما" محاولة الصين لعب دور الوسيط في إقامة سلام في الشرق الأوسط. لكنها تعتبر أن إمكانياتها محدودة من أجل لعب هذا الدور. 

وبعد أن تشير الكاتبة إلى مناقشة وزير الخارجية الصيني Wang Yi الأمر مع المسؤولين في واشنطن وكل من إسرائيل وفلسطين، تقول بوجود أسباب للأمل في تمكن الصين من إستخدام علاقاتها الجيدة مع إيران الداعمة لكل من حماس وحزب الله بأن تخفض طهران من حدة التوتر. وتنقل عن صحيفة Financial Times قولها بأن المسؤولين الرسميين في واشنطن ألحوا على الوزير الصيني بدعوة الإيرانيين إلى "الهدوء". 

تشير الكاتبة إلى أن طهران سبق أن صرحت عن استعدادها "لتعزيز الإتصالات مع الصين، بشأن تسوية الوضع في غزة. وتنقل عن Don Murphy الأستاذة المساعدة في الكلية الحربية الوطنية التابعة لوزارة الدفاع الأمريكية والمتخصة بالسياسة الخارجية الصينية قولها بأن بكين بوسعها "إلى حد ما" أن تكون وسيطاً، طالما أنها تحافظ على علاقات متوازنة مع جميع أطراف النزاع. ورأت أن بوسع الصين والولايات المتحدة أن تجمعا كل أطراف النزاع حول طاولة المفاوضات. 

لكن الكاتبة تقول بأن المراقبين الآخرين يخالفون رأي Murphy ويرون أن الصين لاعب ثانوي في الشرق الأوسط. وتنقل عن الباحث في المجلس الأطلسي والمتخصص بعلاقات الصين مع بلدان الشرق الأوسط Jonathan Fulton قوله بأن الصين ليست لاعباً جدياً في هذه المسألة. ويقول بأن أحداً ممن تحدث إليهم في مختلف بلدان المنطقة لا يتوقع أن تتمكن الصين من لعب دور مهم في حل المسألة. ويشير إلى أن تصريح الصين الأول بشأن النزاع لم ينل رضا إسرائيل، وذلك بعدم إدانته حماس وعدم الإشارة إلى حق إسرائيل بالدفاع عن نفسها. 

تعدد كاتبة النص الأسباب الأخرى التي تحول دون ترحيب إسرائيل بوساطة الصين. ثم تشير إلى العوامل التي تقف وراء رغبة الصين بلعب هذا الدور. 

العامل الأول تراه إقتصاديا، حيث تخشى الصين على مصالحها الإقتصادية في حال توسع الحرب إلى المنطقة. فهي تستورد من بلدان الخليج نصف إحتياجاتها من النفط. كما أن بلدان الشرق الأوسط تلعب دوراً مهماً في إقامة الصين مشاريع طرق تجارية من جنوب شرق آسيا إلى أوروبا، وهو ما يشكل حجر الزاوية في سياستها الخارجية. 

العامل الثاني تراه الكاتية في سعي الصين لتحسين صورتها في العالم. وتنقل عن Murphy قولها بأن الصين تعتبر أن الدفاع عن الفلسطينيين يجد الترحيب من جانب البلدان العربية، والبلدان ذات الغالبية المسلمة. كما تحاول الصين تقديم نفسها بأنها المرشح الأفضل لشغل مكان صانع السلام العالمي مكان الولايات المتحدة. ومنذ مطلع السنة الحالية تدفع الصين برؤية جديدة للنظام العالمي بقيادتها، منتقدة في الوقت عينه ما تسميه "زعامة الهيمنة للولايات المتحدة". 

في العقبات التي ترى الكاتبة أنها تحول دون لعب الصين دور الوسيط، ترى أولها في التناقض بين تضامن الصين مع البلدان ذات الغالبية المسلمة ووقوفها ضد إحتلال إسرائيل الأراضي الفلسطينية، وبين قمعها الأويغور المسلمين والإستيعاب القسري لشعب التيبت. 

ثانياً، تخاطر الصين باتهامها بسطحية مقاربة المسألة، أو ما هو أسوا إتهامها بمحاولة إستغلال الصراع بين إسرائيل وحماس لخدمة مصالحها الخاصة. 

وتنفل عن Fulton قوله بأن الصين تدرك أن دعم الفلسطينيين لا يمنحها رضى جميع البلدان العربية، حيث تشكل هذه المسألة مادة خلاف بين هذه الدول. 

المصدر: المدن