ليست المرة الأولى التي تخضع فيها إسرائيل للأمر الواقع وتعقد صفقة تبادل للأسرى والمعتقلين، وسبق لها أن قامت بذلك مرات عديدة في حقبات منصرمة عندما أفرجت عن الآلاف من المعتقلين من دون وجه حق. وأغلب الظن أنّها لن تكون الأخيرة.
ثمّة انتصار لا يمكن إنكاره عند حصول أي صفقة تبادل. شارات النصر التي يرفعها الأسرى المحررون ليست سوى أحد أشكال هذا النجاح، ولها من الدلالات المعنويّة ما يفوق بأضعاف الترتيبات الميدانية.
غالباً ما يعتقل الاحتلال الإسرائيلي من أبناء الشعب الفلسطيني من دون مسوّغ قانوني، وثمة بدعة اخترعها ألا وهي الاعتقال الإداري التي لا تعدو كونها حجز حريات من دون أدنى اعتبار للمعايير الأخلاقيّة أو الإنسانيّة والتي قد تطول مدة الاحتجاز لتصل الى سنوات. إنّها تسمية إخترعتها إسرائيل للتغطية على مقولة الاعتقال السياسي.
طبعاً، تدعي إسرائيل أنّها الدولة الديمقراطيّة الوحيدة في الشرق الأوسط وأنها تلتزم بالقانون الدولي والمواثيق العالمية وفي مقدمها حقوق الإنسان بينما هي تمارس عكس ذلك في كل المجالات. أي ديمقراطيّة هي تلك التي تقوم على الفصل العنصري والإبادة الجماعيّة والتمييز بين السكان؟
وأي حقوق إنسان يمكن التحدث عنها على ضوء القصف المتعمد للمستشفيات والمراكز الطبية وحتى سيارات الإسعاف؟ أو في ما يتعلق بالحصار المفروض على قطاع غزة منذ سنوات طويلة والذي وصل إلى ذروته في أيام الحرب مع انقطاع الوقود والمحروقات والأغذية والأدوية؟
إلا أنّ هذه الأمور معروفة بأكملها وليست جديدة على إسرائيل، ولو أن ما يُسمّى «المجتمع الدولي» بات يُسأل اليوم عندما يرفع شعارات الديمقراطيّة وحقوق الإنسان والقانون الدولي عن سلوكه إزاء المجازر الإسرائيليّة المستمرة وعن تغطيته لها من دون رادع. كل فكرة الشرعيّة الدوليّة باتت بحاجة لإعادة تعريف في العمق.
ولكن، بمعزل عن كل ما سبق. لا يمكن لإسرائيل وقياداتها اليمينيّة المتطرفة أن تنكر أنّ السقوف العالية التي رفعتها عند إطلاق العمليّة العسكريّة الجهنميّة على غزة غير قابلة للتحقق. قال نتنياهو إنه لن يوقف الهجوم على غزة قبل إطلاق سراح «الرهائن»، وقبل القضاء على حركة «حماس». تبيّن أن الأول لم يتحقق وأن الثاني مستحيل لألف سبب وسبب.
ثمّة أزمة عميقة أمام الإحتلال الإسرائيلي اليوم تتمثل في كيفيّة «النزول عن الشجرة» والفشل الذريع في تحقيق ولو صورة انتصار واحدة. صحيح أن الدبابات الإسرائيليّة صارت تتوغل في قلب قطاع غزة، ولكنها لم تحكم سيطرتها التامة على أي جزء منه كما أنها تتعرّض لخسائر هائلة قد تفوق في أعدادها ما يُعلن عنه رسمياً.
بالإضافة إلى ذلك، لا تزال الصواريخ تمطر المدن المحتلة وفي مقدمها تل أبيب التي لا ينعم سكانها بالهدوء والاستقرار السابق ويمضون أوقاتاً طويلة في الملاجئ. وإذا كانت السياسة الإسرائيليّة تقوم على التعتيم الإعلامي على المناطق التي تتعرّض للقصف من الفصائل الفلسطينية، فإنّ ذلك لا يلغي حدوثها.
واضحٌ أنّ السياسات الإسرائيليّة التدميريّة لم توفر يوماً الحلول المطلوبة للمشاكل القائمة ولن توفرها اليوم. مواصلة الاحتلال بحد ذاتها هي مناقضة للتاريخ والجغرافيا وكل المنطق، ومن المستحيل لها أن تستمر خصوصاً عندما ترتدي الطابع الكولونيالي والتوسع الاستعماري.
إنّه المشروع الأخير من نوعه في هذا الزمن، ولا يمكن أن يُكتب له النجاح خصوصاً على ضوء النضال الفلسطيني المستمر منذ عقود والذي تكبّد خسائر باهظة الثمن إلا أنها لن تذهب سدى. في نهاية المطاف، لا بد من قيام الدولة الفلسطينية المستقلة وتحقيق المطالب المشروعة للشعب الفلسطيني.
المصدر: نداء الوطن