لندع بنيامين نتنياهو يذهب بتصريحاته العنترية إلى حيث شاء. فالحرب لا تتقرّر بالرغبات والأهواء، وإنما بموازين القوى في الميدان، كما بموازين القوى العامة التي تحسب عالمياً وإقليمياً، وميدانياً فلسطينياً-صهيونياً (وذلك ما دام الأمر متعلقاً بالحرب العدوانية ضد قطاع غزة - مقاومةً وشعباً).لو تُرك الأمر لنتنياهو ولـ«مجلس الحرب»، لما تمّ الاتفاق على الهدنة الإنسانية، لأربعة أيام، وتمديدها لسبعة أيام. فقد كان نتنياهو رافضاً لها، متمسكاً بموقفه الذي أعلن الحرب على أساسه. ولكنه رضخ لتلك الهدنة بسبب الضغط الأميركي، فيما رزح بايدن، بدوره، تحت ضغوط شديدة من قِبَل رأي عام عالمي وأميركي وأوروبي. فضلاً عن عزلة سياسية دولية، ولو باهتة من جهة، وبعد أن تأكدت القيادة العسكرية الأميركية أن الجيش الصهيوني لم يستطع أن يحقق إنجازاً عسكرياً ميدانياً واحداً يُعتدّ به. وذلك إلى جانب فعل القصف الجوّي ضد المدنيين، الذي وضع أميركا والغرب والكيان الصهيوني، تحت التجريم بارتكاب جرائم إبادة، وجرائم حرب، وخسران المعركة الأخلاقية، ومعركة كسب الرأي العام.
هذه العوامل هي التي تفسّر رضوخ أميركا، لعقد اتفاق هدنة الأربعة أيام، وتمديدها، كما المفاوضات مع قطر ومصر لاتفاق وقف إطلاق النار في العاصمة القطرية الدوحة.
جاء فشل المفاوضات بعد أن استدعى نتنياهو مدير «الموساد» منها. وبدأ الحرب من جديد، وبأقوى مما كانت عليه، من ناحية قصف المدنيين، والتوسّع بالتدمير. ولكن تجدّد العدوان، جاء بعد اجتماع أنتوني بلينكن، وزير خارجية أميركا، مع مجلس الحرب الصهيوني، وإعلانه أن «حماس» هي التي خرقت هدنة التهدئة، عبر عملية نفّذها مقاومان في القدس. الأمر الذي يعني أن أميركا وراء الجولة الثانية من الحرب العدوانية في قطاع غزة، سواء أكان جانبها الوحشي الإبادي ضد البشر والحجر، أم جانبها المتعلّق بالحرب البريّة.
إنّ أميركا هي المسؤولة عن الجولة الثانية من العدوان، كما الجولة الأولى، وقد راح نتنياهو وزمرته من قادة العدوان، بالاستناد إليها، يطلقان التصريحات العنترية «الانتصارية»، قبل أن يحقق الجيش الصهيوني إنجازاً عسكرياً واحداً يعتمد عليه لدعم تلك التصريحات. وذلك رغم أنّ الحرب البرّية خلال الأيام الثلاثة، أثبتت أن يد المقاومة (يد «كتائب القسّام»، و«سرايا القدس»، وفصائل المقاومة الأخرى) هي الأعلى، بما يزيد عمّا كان عليه الوضع العسكري السابق، في الحرب البرّية.
من هنا، يجب أن تتّجه كل الجهود الشعبية والدولية للضغط على أميركا وإدانتها، ولا سيما ضغوط الرأي العام العالمي، كما الضغوط الدولية، بما فيها ضرورة تصعيد موقف الدول العربية والإسلامية، لاتخاذ إجراءات عملية «متدرجة» فورية، وعدم الاكتفاء بمجرد طلب وقف إطلاق النار. بل إنّ عودة العدوان، بشقَّيه العسكري البرّي والإبادي المدني، ما كان ليتم لولا الموقف الأميركي الذي راح يغطيه، ويشارك فيه، مشركاً معه بريطانيا، في هذه الجولة. وهذا مع العلم أن الموقف الأميركي، بدوره، ما كان ليتمادى هكذا، لولا ضعف موقف الدول العربية والإسلامية (مع استثنائين أو ثلاثة فقط) في الضغط على أميركا لوقف إطلاق النار. لأن رسن نتنياهو وزمرته بيدها، كما ثبت بفرض هدنة السبعة أيام، على القيادة الصهيونية، الفالتة من عقالها، بسبب فقدانها أعصابها وعقلها بعد السابع من أكتوبر. وهو ما ثبت أيضاً في العودة إلى تجدّد العدوان واستمراريته.
يعني، باختصار، أن قرار وقف العدوان، وقرار وقف إطلاق النار (بإجبار نتنياهو عليهما) بيد أميركا منذ البداية حتى النهاية. وهو ما يجب أن يقوم عليه الخطاب الموجّه ضد استمرار الحرب العدوانية الإجرامية الصهيونية الأميركية. وهو ما يجب أن تقوم عليه الحاجة إلى تصعيد الخطوات الضاغطة.
وهنا يجب أن يلحظ أن قليلاً من تصعيد المواقف الحالية سيكون كافياً لتغيير الموقف الأميركي. فإدارة بايدن مرتبكة، مهتزة، وضعيفة أميركياً، داخلياً وخارجياً. إنها كالجدار المتداعي، أو تكفيها دفعة واحدة قويّة، أو شبه قويّة، لتخضع لوقف إطلاق النار، ولإخضاع القيادة الصهيونية، لتذعن له.
المصدر: جريدة الأخبار