الربط يين زيارة بوتين إلى الخليج وزيارة رئيسي إلى موسكو كان بديهياً، وليس من حيث التوقيت فقط. تصريحات جميع أطراف الزيارتين تؤكد أن مأساة غزة كانت عنوان الحدثين وأحد موضوعاتهما، لكن ليس الموضوع الرئيسي. مأساة غزة أصبحت الممر الإلزامي للعبور إلى مناقشة كل قضايا المنطقة الآن، وكان من المتعذر أن لا تكون عنوان الزيارتين، وإن لم تختصر بالطبع الموضوعات التي نوقشت خلالهما، ولا ما توخاه كل طرف منهما.
الإعلام الروسي الموالي للكرملين يُجمع على أن الزيارتين دليل على عدم عزلة روسيا التي يسعى إليها الغرب، وعلى أن مذكرة الجنائية الدولية بإعتقال بوتين لا قيمة لها خارج هذا الغرب والدول الدائرة في فلكه. كما يرى في الزيارتين تأكيداً على أن المزيد من دول العالم يرفض النظام العالمي أحادي القطب بقيادة الغرب، ويميل أكثر إلى نظام متعدد الأقطاب بقيادة الصين وروسيا.
بعض إعلام الكرملين أكد على أن الزيارتين مترابطتان وتكملان بعضهما، وبعضه الآخر رأى فيهما دليلاً على أن "بوتين سيولي الشرق إهتمامه".
موقع URA الروسي رأى في زيارة الرئيس الإيراني إلى موسكو في 7 الجاري بأنها تتمة لزيارة بوتين إلى الإمارات والسعودية. وقال بأن موضوعات البحث بين الرئيسين كثيرة، لكن بوتين تجاهل في الجزء العلني من المحادثات الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وتوقف عند مشروع خط السكك الحديدية المشترك "شمال ـــ جنوب". ويرى الخبراء أن مشاريع المواصلات أصبحت الأداة الجديدة في الصراع على النفوذ في الجغرافيا الإقتصادية. ويسهب الموقع في الحديث عن مشاريع ممرات المواصلات الرئيسية: المشروع الأميركي الهندي الأوروبي الذي يصل الهند بأوروبا عبر الخليج والأردن وإسرائيل، المشروع الصيني "حزام واحد طريق واحد والمشروع الروسي الإيراني الأذري "شمال ـــ جنوب". ويقول بأن المشروع الأميركي الهندي الأوروبي تم التخطيط له قبل التصعيد الإسرائيلي الفلسطيني الأخير، ويرى أن الوضع في المنطقة متوتر للغاية، وليس من ضمانة بتفجر صراعات مسلحة جديدة في المنطقة، مما يثير التساؤل حول مستقبل المشروع برمته.
أشار الموقع إلى تركيز بوتين في كلمته الترحيبية على الجانب الإقتصادي وضرورة تطوير التبادل التجاري بين البلدين وأهمية تنفيذ مشروع "شمال ـــ جنوب" في تخفيض تكاليف نقل البضائع بين روسيا وإيران. وقال بأن الرئيس الإيراني وافق بوتين على ضرورة تطوير التعاون في مختلف المجالات بين البلدين، وحاول نقل القسم البروتوكولي في اللقاء إلى قضية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. لكن بوتين أعاد الحديث إلى السياق الإقتصادي، وأعلن عن التوقيع حتى آخر السنة الحالية على إتفاقية إقامة منطقة تجارة حرة بين إيران ومنطقة أوراسيا.
موقع oxu.az الأذري تساءل في شريط فيديو نشره في 10 الجاري عن هدف الرئيس الإيراني من زيارة موسكو. واشار إلى أن الإعلام الرسمي الإيراني يقول بأن زيارة إبراهيم رئيسي تمت بدعوة من بوتين. لكن ما أعلنه بوتين في اللقاء يخالف هذا القول. ويستند الموقع في تأكيده هذا إلى ما لمح به بوتين في كلمته الترحيبية بالرئيس الإيراني من أن موعد الزيارة كان فكرة الأخير. وقد نشرت جميع المواقع ما ذكره بوتين من أن فكرة ساورته وهو يحلق فوق إيران من أن تحط طائرته في مطار طهران ويتحدث مع زميله الإيراني، “لكنهم قالوا لي إن الرئيس مستعد للسفر إلى موسكو!».
يقول الموقع بأن كل زيارة لإبراهيم رئيسي إلى موسكو تثير العديد من الإشكالات والنقاشات المختلفة في إيران. فزيارته الأولى إلى العاصمة الروسية في شباط السنة الماضية أصبحت مادة نقاش حول العديد من النقاط.
لم يكن من قبيل الصدف أن يتوقف الموقع الأذري عند مسألة الدعوة للزيارة، إذ يبدو أنه كان على إطلاع على النقاش الذي دار في شبكات التواصل الإجتماعي الإيرانية بشأن المبادرة لترتيب الزيارة. فقد نشر في 8 الجاري موقع الخدمة الروسية في BBC نصاً تحدث فيه عن نقاش الإيرانيين على شبكات التواصل الإجتماعي بشأن زيارة رئيسي إلى موسكو. اقتبس الموقع عنوان النص من ما كتبه أحد النشطاء ""هو دعا نفسه إلى الكرملين": كيف تعامل الإيرانيون مع زيارة رئيسي لبوتين".
كرر الموقع ما ذكره بوتين عن "رغبته" بالتوقف في طهران للتحدث إلى رئيسي، وقال بأن تعليق بوتين هذا جعل بعض مستخدمي شبكات التواصل في إيران يشكك في أن بوتين كان على علم بموعد زيارة رئيسي إلى روسيا. ونقل عن ناشط قوله على منصة X بأن رئيسي "دعا نفسه" إلى زيارة روسيا، وذلك لأن "إيران لم تكن على جدول أعمال بوتين" . وأضاف الناشط بأن من المحتمل أن يكون الروس قد ألحقوا رئيسي في آخر برنامج بوتين، "بعد أن أصرت الجمهورية الإسلامية على اللقاء".
وينقل الموقع عن Sorosh Pakzad صحافي الخدمة الفارسية في BBC قوله بأن مستخدمين كثراً أشاروا إلى أن بوتين لم يستقبل رئيسي بحرارة، كما استقبله قادة السعودية والإمارات خلال زيارته.
وفي سياق الحديث عن برودة إستقبال الرئيس الإيراني في موسكو، ذكر موقع الخدمة الروسية في "الحرة" الأميركية يوم الزيارة في 7 الجاري أن وكالة "تاس" الرسمية كانت، وحتى نشر الموقع للنص، قد غطت نبأ المفاوضات الروسية الإيرانية في الكرملين بعشرة أسطر فقط، كرست معظمها للقاء السابق بين الرئيسين في أيلول/سبتبتمبر 2022. ولم تذكر أي تفاصيل متعلقة بالمفاوضات.
موقع bloknot.ru الروسي تحدث عن زيارة رئيسي في 6 الجاري، أي حين كان بوتين في زيارة الخليج. لم ينفرد الموقع في الحديث عن الزيارة قبل أن تتم، بل تحدثت مواقع أخرى عنها أثناء زيارة الخليج. فقد نشرت صحيفة Kommersant في 6 الجاري نصاً عن زيارة الخليج، ربطت بينها وبين زيارة رئيسي في اليوم التالي واستنتجت أن "بوتين سيولي الشرق إهتمامه".
موقع bloknot.ru تساءل عن الأسباب التي استدعت الحاجة للقاء بين بوتين ورئيسي. السبب الأول رآه الموقع في ضرورة إنجاز الصيغة النهائية لإتفاقية الشراكة الإستراتيجية بين الدولتين في المجال العسكري التقني والعسكري السياسي. كما رأى هذه الأسباب في القلق الإيراني الروسي من تواجد الأسطول البحري الأميركي في مياه الخليج، وكذلك القلق الإيراني من تحول صديقتها أرمينيا نحو الولايات المتحدة والناتو.
أحد الأسباب، وقد يكون الأبرز بين الأسباب الأخرى، هو القلق الإيراني من نتائج زيارة بوتين للخليج. قال الموقع بأن محادثات بوتين في الخليج قد تسفر عن إقامة محور قوة جديد ليس على علاقة مع الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي، يضم روسيا والصين والشرق الأوسط. وإذا نجحت المفاوضات الإيرانية الروسية، فمن المهم لإيران تثبيت موقعها في النظام العالمي الذي يتشكل، وأن لا تنفرد السعودية والإمارات في إحتكار التعاون بين المنطقة وروسيا. أي أن إيران يجب أن تكون متأكدة من أنها صديق روسيا الرقم واحد في الشرق الأوسط.
ينهي الموقع نصه بإستنتاج بدا خارج السياق كلياً. فيقول بأن محبي نظرية المؤامرة يشيرون إلى أن الزعيم الإيراني زار العاصمة الروسية عشية بدء العمليات العسكرية في أوكرانيا في شتاء العام 2022، ويتساءل: "هل هناك "عملية عسكرية خاصة" أخرى" تقوم بها روسيا أو إيران.
*المصدر: نداء الوطن