حرب غزة أصابت شظاياها القرار 1701، وأعادت التركيز عليه في الوقت نفسه. الإصابة الكبيرة بعد إصابات متوالية من العدو الاسرائيلي ومن «حزب الله» على مدى 17 عاماً بعد حرب تموز 2006 وصدور القرار الدولي، كانت بفتح الجبهة الجنوبية لـ»مساندة حماس». وإعادة التركيز جاءت من جانب أميركا وفرنسا بشكل خاص ومعظم الدول بشكل عام الى جانب ما تطلبه أكثرية اللبنانيين للحؤول دون توسيع الحرب لتشمل لبنان. والهدف هو قطع الطريق على التهديد الإسرائيلي بحرب مدمرة لفرض «منطقة عازلة» بين الخط الأزرق ونهر الليطاني لكي يعود المستوطنون الى بيوتهم في الجليل. فهل هناك فرصة لإعادة الإعتبار الى القرار الدولي بالتفاهم لحفظ السلام في المنطقة؟ وماذا يبقى لحفظ السلام بعد حرب يستطيع «حزب الله» خلالها إلحاق أكبر دمار بإسرائيل، لكنه لا يستطيع منع العدو من تدمير لبنان؟
في البدء، لا شيء بات يشكل منطقه عازلة في عصر الصواريخ والمسيّرات. وفي النهاية، لا أحد يجهل ما يقود اليه ربط لبنان بمشروع تخلى عنه العرب عبر «المبادرة العربية للسلام» في قمة بيروت عام 2002، وتقف ضده أميركا وروسيا والصين وأوروبا، هو الحرب الدائمة لإزالة إسرائيل. فما تتركز عليه الجهود العربية والدولية هو معاودة التفاوض على «حل الدولتين» بعد حرب غزة بين طرفين يرفضان حل الدولتين، ويريد كل منهما فلسطين من البحر الى النهر: حكومة نتنياهو وحركة «حماس». وما يتطلبه ذلك في المرحلة الأولى هو إنهاء حرب غزة بما يضمن حدوث متغيرات راديكالية في اتجاه التسليم بدولة فلسطينية.
والمسألة في لبنان حالياً ليست مجرد إدخال «حماس والجهاد الإسلامي» في جبهة الجنوب بعد عقود من نهاية حرب لبنان وإلغاء «إتفاق القاهرة» وتعلم دروس التجربة المريرة التي بدأت عام 1965 مع حركة «فتح» ثم بقية الفصائل. المسألة هي إقدام «حزب الله» على فتح الجبهة بقرار منه مرتبط بحرب غزة ومناقض لإلتزام لبنان تنفيذ القرار 1701، والتصرف كأنه صاحب الأرض والسيادة.
معنى ذلك عملياً أن ثلاثية «شعب وجيش ومقاومة» صارت «أحادية» مع الإبقاء على العنوان رمزياً. لماذا؟ لأن «المقاومة الإسلامية» فتحت الجبهة لمساندة «حماس» من دون اي رأي للشعب والجيش، ومن دون اي اعتبار لقوات «اليونيفيل». وليس الإستخدام المتكرر لتعبير «شعب المقاومة» سوى إشارة الى «بيئة حاضنة» في إطار مذهبي محدد هي المسماة «شعب المقاومة». وهذا يوحي أن «المقاومة الإسلامية» في بلد من 18 طائفة هي مشروع خاص لجمهور معين في إطار مشروع يتجاوز لبنان ويبقى دون مشروع الدولة الوطنية في آن. مشروع كانت بدايته «خصخصة» الدفاع عن لبنان، ولا احد يعرف كيف تكون نهايته.
«مشاغلة» إسرائيل في جبهة الجنوب من اجل غزة تقود لبنان الى أن يدفع سلفاً ثمن حرب كاملة. ومأزق على الجبهة الداخلية، حيث اللاشغل والمعاناة الإجتماعية والإقتصادية واليأس من التركيبة السياسية بما يجعل الناس تطرح سؤالاً عدمياً هو: ما الحاجة الى رئيس ومؤسسات ما دام البلد «مساحة جغرافية» وقرار الحرب والسلم في يد إسرائيل وإيران عبر «المقاومة الإسلامية»؟
أكثر ما ينطبق على حال لبنان اليوم هو القول الإسباني المعبّر: «الحياة مطهر طويل تتخلله إقامة قصيرة في الجنة والجحيم».
*المصدر: نداء الوطن