على مدى حوالي 4 ساعات ظهر الأربعاء في 14 الجاري رد بوتين في مؤتمر صحافي واسع على أسئلة المواطنين الروس والصحافة المحلية والعالمية. في العادة كان بوتين منذ العام 2001 يطل سنوياً في أوقات مختلفة (عشية رأس السنة في الغالب) على شاشات التلفزة ضمن ما يسمى "الخط المباشر" للرد على أسئلة المواطنين الروس، فيما كان يخص الإعلام المحلي والعالمي بمؤتمر صحافي كبير قبل نهاية العام. لكن الوضع المتأزم على جبهة حربه على أوكرانيا في خريف السنة الماضية اضطره لإلغاء هذا التقليد، وعاد إليه هذه السنة بإطلالة جمعت بين التقليدين في مؤتمر صحافي واسع تحت إسم "حصاد السنة". واللافت أن هذا النشاط الواسع جاء بعد أسبوع من إعلان بوتين ترشحه للإنتخابات الرئاسية القادمة.
حسب الموقع الرسمي للرئاسة الروسية كان السؤال الأول لبوتين من أحد الصحافيين اللذين توليا إدارة المؤتمر يتعلق ببرنامجه كمرشح للرئاسة في إنتخابات آذار/مارس المقبل. رأى بوتين أن المحافظة على سيادة روسيا تأتي في طليعة مهمات الرئيس، إذ بدونها لا يمكن لروسيا أن توجد كما هي عليه الآن، و"كما وجدت منذ آلاف السنين".
إنتهى "الخط المباشر" بسؤال طرحه مندوب اليومية الروسية المعروفة Kommersant عن النصيحة التي يريد أن يوجهها بوتين اليوم لبوتين العام 2000 حين تسلم رئاسة روسيا، وعن ما يريد أن يحذره منه، وعن ما يندم عليه. سؤال مندوب الصحيفة Andrey Kolesnikov عضو مجموعة صحافيي الكرملين قدم لبوتين لينهي المؤتمر بالتأكيد على صحة النهج الذي اتبعه خلال رئاساته المتتالية، والتحذير من السذاجة والثقة المفرطة "بمن يسمون شركاؤنا".
موقع Unian الأوكراني لم يتأخر في تغطية مؤتمر بوتين، ونشر في اليوم عينه نصاً قال في عنوانه ""بينما كان بوتين "يهذي" عن الوضع في روسيا، كان الناس يطرحون أسئلة محرجة جدا...". نقل الموقع بعض هذه "الأسئلة المحرجة" التي كانت تمر على الشاشة الكبيرة المنصوبة في القاعة وراء ظهر بوتين. ومن هذه الأسئلة : "السيد الرئيس، متى لن تكون روسيا الحقيقية مختلفة عن روسيا التلفزيون"؛ "إلى متى سيتم التلاعب بمعدل التضخم"؛ " أعطينا الغاز للصين، أعطينا الغاز لأوروبا، متى سيصل الغاز إلى خاكاسيا (جمهورية حكم ذاتي في شرق سيبيريا)"؛ "لماذا ثمن كرتونة البيض 550 روبل في داغستان؟"؛ "من سيكون رئيس روسيا بعدك؟"؛ "تحياتي، كيف يمكن الإنتقال إلى روسيا التي يتحدثون عنها في "القناة الأولى (قناة التلفزة الروسية الرئيسية)".
موقع الخدمة الروسية في BBC رأى أن الحرب في أوكرانيا، التعبئة والإجهاض كانت الموضوعات الرئيسية في "الخط المباشر". وقال أن بوتين رد على الأسئلة المتعلقة بالحرب في أوكرانيا والحظر المحتمل للإجهاض في العيادات الخاصة وارتفاع الأسعار، إلا أنه، "وكما العادة"، لم تتضمن الردود إجابات محددة. ولم يكن من المستغرب أن يبدأ اللقاء بالسؤال عن أهداف بوتين من ترشحه للرئاسة، لكن رد بوتين حول أهمية الدفاع عن السيادة بالنسبة لبلد مثل لروسيا "كان مبتذلاً للغاية"، برأي الموقع.
يشير الموقع إلى أن بوتين تلقى مجموعة كبيرة من الأسئلة تتعلق بموضوعات الحرب في اوكرانيا والوضع على الجبهة، إحتمال موجة ثانية من التعبئة، الضمانات الإجتماعية والمدفوعات للعسكريين وتمويل المناطق الأوكرانية التي تحتلها روسيا. لكن بوتين لم يتطرق إلى "أحد أهم الموضوعات" المرتبطة إرتباطاً وثيقا بوضع روسيا على جبهة الحرب في أوكرانيا، إذ لم يتلق سؤالاً واحداً حول التجمعات ومظاهرات إحتجاج زوجات المجندين في عدة مدن روسية، واللواتي يطالبن بإعادة أزواجهن إلى بيوتهم.
في سياق الحديث عن الحرب ذكر الموقع أن BBC وموقع Mediazone الروسي المعارض وفريق من المتطوعين، يقومون منذ اليوم الأول للحرب بتوثيق أسماء قتلى الجيش الروسي، والذين بلغ عددهم حتى الآن 40 ألف قتيل.
تطرق بوتين مطولاً منذ بداية اللقاء إلى الشأن الإقتصادي، ورأى أن الإقتصاد الروسي كشف عن "ما يكفي من المناعة". لكنه سرعان ما وجد نفسه مضطراً للإعتذار في سياق الرد على سؤال بشأن إرتفاع أسعار بيض الدجاج في روسيا. واعتبر أن سبب إرتفاع الأسعار هذا يعود إلى إرتفاع المداخيل و"فشل الحكومة" التي تأخرت في السماح باستيراد البيض.
يتفق الموقع مع قول بوتين بمناعة الإقتصاد الروسي، ويرى أن السبب يكمن في الإنفاق العسكري الواسع الذي أدى إلى إرتفاع حجم الصناعات الحربية، وبالتالي إرتفاع مداخيل السكان.
في الشأن الخارجي، يقول الموقع أن بوتين رأى أن حل الصراع في الشرق الإوسط ممكن عبر إقامة دولة فلسطينية وعاصمتها القدس. ورداً على سؤال بشأن تطبيع علاقات روسيا مع الإتحاد الأوروبي، كرر بوتين قوله بتبعية أوروبا "للأخ الأكبر" ـــ الولايات المتحدة، وقال بأن الأمر لا يتوقف على روسيا وحدها.
وفي سياق الرد على سؤال عن الصحافي الأميركي المعتقل في روسيا Evan Gershkovich ورفضها العرض الأميركي بمبادلته، قال بوتين بأن الإتصالات قائمة مع الشركاء الأميركيين والحوار يجري بلغة مفهومة للطرفين، لكن على الطرف الأميركي أن يتقدم بإقتراح يناسب روسيا.
موقع الخدمة الروسية في دويتشه فيله DW توقف عند تفاعل شبكات التواصل الإجتماعي مع مؤتمر بوتين. قال الموقع أن هذه الشبكات لفتت الإنتباه إلى المحتوى المعروف سلفاً لتواصل بوتين مع المواطنين والصحافيين. كما لفت الإنتباه إلى "زلة لسان" بوتين بأنه إطلع مقدماً على العديد من الأسئلة. لكن أكثر ما أثار إنتباه هذه الشبكات كانت "الأسئلة المحرجة" التي ظهرت على الشاشات الكبيرة. لكن الموقع لا يستبعد بأن تكون هذه الأسئلة جزءاً من تقنيات سيناريو الكرملين للمؤتمر.
لجأ نشطاء شبكات التواصل إلى التلاعب بالصور وأفيشات الدعاية وشتى الوسائل الأخرى للتعبير عن تفسير الروس المضمر لكلام بوتين وكيف يفهمونه على حقيقته. يقول الموقع أن أول "تلاعب" ظهر عشية مؤتمر بوتين في بوست على منصة تلغرام حكومة منطقة كامشاتكا في أقصى شرق روسيا. وقد إستخدم أصحاب البوست دعاية مسلسل سينمائي سوفياتي قديم بعنوان "كلمة الولد"، يتحدث عن ظهور مجموعات العصابات في الإتحاد السوفياتي أواخر ثمانينات القرن الماضي. البوست سرعان ما تمت إزالته، لكن أحد النواب الروس صرح بأنه سيتقدم بطلب للهيئات الأمنية لبدء التحقيق في الأمر.
نقل الموقع عن الصحافي المتخصص بشؤون "بروباغندا الكرملين" Ilya Shepelin قوله بأن البوست يرسم بدقة صورة بوتين السياسية. فوعود الرئيس السابقة بأنه لن يتقدم بترشيحه لولاية رئاسية جديدة، ولن يعدل الدستور، ولن يشعل الحرب مع أوكرانيا، وسيكافح من أجل حرية التعبير وحقوق الإنسان، كل هذا كان "كلمة ولد". فالولد يقف عند كلمته أمام الأولاد مثله، لكن ليس أمام الآخرين.
ينقل الموقع عن الصحافي Andrey Zakharov إعتقاده بأن "الأسئلة المحرجة" التي كانت تظهر على الشاشة قد يكون الكرملين تقصدها كما في حملة الإنتخابات الرئاسية العام 2017. ويرى أن مناقشة ثمن بيض الدجاج كانت على الأغلب من وضع كتاب خطابات بوتين بروح الفكاهة الشعبية. فقد ذكر بوتين في المؤتمر أنه منذ مدة قريبة سأل وزير الزراعة في حكومته "كيف الوضع عنده مع البيض". وتفاعل نشطاء شبكات التواصل مع هذه الدعابة المموهة برسم صورة بوتين على شكل بيضة كتب عليها "بيضة الولد".
*المصدر: المدن