أبعد من التمديد: المؤسسات والتوافق

«عندما يصبح كل شيء سياسياً، تنتهي السياسة»، يقول المؤرخ هالبيرتال. ومن علامات الأزمنة في لبنان، وسط موت السياسة وزحام السياسيين، أن كل شيء مطروح على طاولة «التقريش السياسي». وليس خارج المألوف، بعد التمديد سنة لقائد الجيش العماد جوزف عون، أن يتركز «التقريش» على ثلاثة أمور. أولها يتعلق بالقوى الداخلية والخارجية، وهو من ربح ومن خسر، وما هي درجات الربح. وثانيها يتعلق بالقائد، وهو مدى ما يمكن أن يكون التصويت في المجلس النيابي على التمديد «بروفة» لانتخابه رئيساً للجمهورية.

والثالث يتعلق بالطرف الخاسر والذي ما كان يمكن أن يخسر لو لم يرد أن يربح كل شيء، وهو موقع الطعن بالقانون أمام المجلس الدستوري في بلد يواجه خطر حرب، دستوره معلق بقوة الذين جعلوه بلا رئيس. والنقاش والسجال حول هذه الأمور يستمران إلى أن يقع حدث كبير تتوجه إليه الأنظار والألسنة والاهتمامات.

لكن من الصعب تجاهل أمور وأبعاد أكثر أهمية. لا فقط بالنسبة الى دور الجيش كعمود أخير صامد في هيكل الدولة التي تنهار مؤسساتها، بل أيضاً بالنسبة إلى المؤسسات التي يجب أن يعمل الجيش في ظلها تحت قيادتها السياسية. ولا فقط حول أولوية الأمن القومي في لبنان على كل الاعتبارات والحسابات، في الأزمات كما في الهدوء، بل أيضاً حول ما يهدد الأمن القومي وما ينقصه. فالقوة على أهميتها التي من دونها لا دور لسواها، ليست العنصر الوحيد في الأمن القومي. وهي في حاجة إلى عناصر مهمة جداً سياسية واقتصادية ومالية واجتماعية وعلمية وثقافية. صحيح أن «ديبلوماسية بلا قوة مثل موسيقى بلا آلات»، كما قال فريدريك الكبير. لكن الصحيح أيضاً أن قوة بلا سياسة تصبح عمياء. وسياسة بلا مؤسسات شرعية في البلد هي فوضى.

ذلك أن العمل العسكري والأمني من خارج الشرعية تحت عنوان التصدي لأي إعتداء على لبنان ليس ضماناً وطنياً للأمن القومي، ولو نجح. وحين يصبح قرار الحرب عبر الحدود وممارسته في يد تنظيم إيديولوجي، سواء كان جزءاً من مشروع إقليمي أم لا، فإن الباقي من الشرعية يكون مثل «شاهد ما شافش حاجة». وليس من المعقول أن يقتصر دور الجيش على ضمان الأمن في الداخل. وتتمة اللامعقول أن يصبح التنظيم الإيديولوجي المسلح هو المحور في البلد. كل شيء يدور حوله، وعلى أساس العلاقة معه وما يرضيه وما لا يرضيه يتم تقييم المسؤولين في السلطة بكل فروعها النيابية والإجرائية والقضائية والأمنية.

والدرس الذي قدمه التمديد في البرلمان كان مكتوباً على الجدار منذ الاستقلال: «لا شيء جدياً يمكن إنجازه من دون توافق وتحالفات عابرة للطوائف. لا الرئاسة، ولا الحكومة، ولا الانتظام العام في المؤسسات. لا قوة مهما كبرت تستطيع تحقيق شيء ثابت من دون توافق وتحالفات. وكل قوة تحاول أن تفرض ما تريد بالاعتماد على قوة أخرى تخسر حين تخذلها القوة الأخرى.

كان شرشل يقول: «السياسة ليست فن الممكن بل فن الرغبة». لكن سياسة فن الرغبة بدل فن الممكن في لبنان تقود إلى الخسارة والندم.

المصدر: نداء الوطن