انتهى العام المنصرم إلى الكثير من التشدّد والعديد من التسريبات والتصريحات الإسرائيلية التي تتوقّع توسّع الحرب على غزة نحو الجبهة الشمالية للدولة العبرية، ضد جنوب لبنان. وقال الناطق باسم الجيش الإسرائيلي دانيال هغاري إن انتشار الحزب في جنوب لبنان «لن يكون مثلما كان عليه قبل السابع من أكتوبر».
زاد من قتامة الوضعية التي يمكن أن ينزلق إليها لبنان استهداف أحد القادة الفلسطينيين في مبنى في الضاحية الجنوبية، مع كل ما يمكن أن يستتبعه من ردود فعل.
رغم كل التطمينات التي يركن إليها بعض الأوساط الرسمية اللبنانية، سواء من جانب إيران، أم من جانب الولايات المتحدة الأميركية، التي أدّت دوراً رئيساً في لجم احتمال إقدام إسرائيل على فتح الجبهة مع لبنان منعاً لتوسيع الحرب، وكذلك فرنسا، فإنّ المخاوف من السيناريو الأسوأ بقيت تقضّ مضجع القيادات السياسية المعنية.
لا يتردّد أي مسؤول لبناني في أن ينهي حديثه عن التطمينات الأميركية والفرنسية من جهة والإيرانية من جهة ثانية بالقول «لكن لا شيء مضمون»... فالجانب الإسرائيلي اعتبر قبل الأسبوع الماضي أن خيار معالجة مسألة انتشار مقاتلي «حزب الله» بالوسائل الدبلوماسية لم يحدث أيّ تقدم، ما يجعل خيار إبعاد «الحزب» عن الحدود بالوسائل العسكرية متقدّماً.
العام الجديد افتتحه لبنان أصلاً مع كثير من التوتّر والتصعيد على جبهة القتال في جنوب لبنان. وزير الجيوش الفرنسية سيباستيان لوكورنو الذي زار الكتيبة الفرنسية في بلدة دير كيفا في الجنوب، في اليوم الأول من 2024 الإثنين، لم يخفِ بأن مهمة القوات الفرنسية في الجنوب تطبيقاً للقرار الدولي 1701 «يمكن أن تصبح خطيرة جداً ودربنا مزروع بالشكوك في الأسابيع والأيام المقبلة»، في تلميح منه إلى إمكان توسّع الحرب لتشمل جنوب لبنان. وكان سبق زيارة الوزير الفرنسي حصول حادث بين جنود فرنسيين كانوا في دورية روتينية، وبين شبان من قرية كفركلا الحدودية التي تتعرّض للقصف بين الحين والآخر من الجيش الإسرائيلي، فأجبروهم على مغادرتها. وسبقه حادث بين بعض «الأهالي» في بلدة الطيبة الحدودية أيضاً، وبين جنود من الكتيبة الإندونيسية أدّى إلى جرح أحد جنودها.
المخاطر التي تنجم عن كل ذلك دفعت رئيس البرلمان نبيه برّي إلى التأكيد على نقطتين في حديث لـ»الشرق الأوسط»:
- التمسّك بقوات «يونيفيل» في الجنوب ممتدحاً تعاونها مع الأهالي وتقديمها الخدمات لهم، ودورها في مؤازرة الجيش اللبناني في تطبيق القرار 1701.
- تأكيده جهوزية لبنان لتطبيق القرار الدولي بدءاً بانسحاب إسرائيل من النقاط المتنازع عليها في الحدود، مع ما يعنيه ذلك في المقابل أنّ على «حزب الله» سحب سلاحه الثقيل إلى خارج المنطقة الحدودية.
استدعى إدلاء برّي بهذين الموقفين تساؤلاً من بعض المراقبين عمّا إذا كان بعض الدول لمّح مجدّداً إلى إمكان سحب قواته من الجنوب جرّاء الإشكالات مع الجنود الدوليين، كما سبق وأفاد بعض التقارير، فيما كانت دول أخرى لوّحت بذلك نتيجة الانتشار المسلّح لـ»حزب الله» بعد اندلاع الحرب على غزة. وقد أوجبت التلميحات في هذا الصدد أن يصدر برّي موقفه الحريص على دور «يونيفيل».
كما أنّ تصعيد اللهجة الإسرائيلية بتهديد لبنان مع اقتراب عودة الوسيط الدولي آموس هوكشتاين إلى بيروت منتصف الشهر، ربما كان وراء تأكيد برّي التزام القرار الدولي خصوصاً أنه كان أبلغه أننا «حاضرون» لترسيم الحدود البرية، واعتبر الوسيط الأميركي هذا الكلام «وعداً»، خصوصاً أنه يعتقد أنّ تجنيب لبنان الانزلاق إلى الحرب يكون بالتطبيق «الكلي» للقرار.
يعتبر بعض السياسيين أن كلام رئيس البرلمان يكتسب أهميّته من أنه يعبّر عن خشية كبيرة من الحرب على الجبهة الجنوبية، نظراً إلى أنها ستؤدي إلى تهجير الجنوبيين مرة جديدة. ويرى هؤلاء أنّ كلام بري يتناقض مع خطاب «حزب الله» الذي يرهن أي بحث في الوضع على الجبهة الجنوبية بانتهاء الحرب في غزة، بينما تنفيذ القرار الدولي يعني فصل وضع الجنوب عن الحرب على غزة.
المصدر: نداء الوطن