"بيننا وبينكم الميدان والأيام والليالي"... عبارةٌ طُبعت في أذهان اللّبنانيين بعد خطاب الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، إذ عَدّها البعض تهديداً مباشراً لإسرائيل، عقبَ يومٍ واحدٍ فقط من اغتيال نائب رئيس المكتب السياسي وقائد حركة حماس في الضفة الغربية صالح العاروري، بغارة إسرائيليّة في الضاحية الجنوبية.
ووسطَ ردود الفعل المتضاربة بعد حادثة اغتيال العاروري، كانَ خطاب نصر الله كعادته عالي السقف، متوعّداً بردٍّ قاسٍ، دون حسم شكل هذا الردّ، إنما بفتح الباب أمام "عمليات أكثر نوعية" قد تظهر في الأيام المُقبلة في المعركة الحاصلة جنوباً. فماذا حملت كلمة نصر الله في طيّاتها، وما مصير رد "الحزب" في إطار ما سيشهده الميدان عند الحدود؟
تعقيباً عليه، اعتبرَ الكاتب والمحلل السياسي جوني منيّر أنَّ "الإطلالة الأولى لنصر الله منذ أكثر من شهر ونصف، بعد ظهوره إثر بدء عملية طوفان الأقصى، كانت تُحاكي مسألتين، الأولى تتمثّل بشارعه وبيئته إثر "الحرب الصغرى" المفتوحة في الجنوب، أمّا الثانية فتتمثّل بالملف الطارئ أيّ اغتيال العاروري في قلب الضاحية الجنوبية، وهي الغارة الإسرائيليّة الأولى منذ العام 2006".
ولفتَ منيّر إلى أنَّ "أسلوب الأمين العام تميّز كالعادة بالحدّة والقوّة، إذ أكّد أن لا مجالَ إلّا في الردّ على حادثة العاروري، لكنّه تركَ إشارات بأنَّ الردّ الكبير المتفلّت من العقال لم يحن أوانه بعد، إنما هو جاهز، رغم إقراره بأنَّ الحرب الدائرة في الجنوب لا تزال محكومة بالضوابط، مجدداً التزامه بها"، مشدداً على أنَّ "الحزب لا يستطيع أن يبقى مكتوف اليدَين، بل لا يمكنه إلّا أن يردّ في هذا الباب".
وتطرّق منيّر إلى النقطة الأساسية التي حملها خطاب نصر الله، مشيراً إلى أنّه استخدم عبارة "أنّ كل شيء سيكون مباحاً ومفتوحاً، وسنذهب إلى النهاية إذا ما كان هنالك ردّ إسرائيليّ أوسع على الرد الذي سيقوم به حزب الله ثأراً للعاروري ولاستهداف الضاحية". وإذ لفتَ منيّر إلى أنَّ "الحزب ملزم بالردّ ونصر الله أكّد هذا الأمر، علماً أنّه يريد رداً بحجم الحادثة، لأنه لا يجوز السكوت على خرق المعادلة التي كانت قائمة، والتي كانت تضع خطاً أحمرَ حول الضاحية، وبالتالي ملزم بالرد كي لا يصار إلى تكريس معادلة جديدة تسمح بقصف الضاحية كلّ لحظة"، طارحاً السؤال الأبرز حول نتائج ردّ الحزب وبالتالي ردة الفعل الإسرائيلية عليه.
وختم منيّر بالإشارة إلى رسالتين، الأولى وجهتها إسرائيل عبر استهداف مسؤولين في حزب الله في غارة إسرائيليّة على بلدة الناقورة بعد خطاب نصر الله، وهي بمثابة تأكيد أنّها تريد خوض الحرب، وتريد استدراج لبنان إلى حرب واسعة، إلّا أنَّ "الحزب" يعي أنَّ المناخ في لبنان لا يسمح بالدخول في حرب، وليس مساعداً، إنما قد يكون محشوراً في حال استمرار الوضع على ما هو عليه، أمّا الرسالة الثانية وهي دولية، تمثّلت بطلب كلّ من كندا وألمانيا من رعاياها مغادرة لبنان على وجه السرعة، بما يعني أنَّ إسرائيل جاهزة للحرب.
إذن، المعادلة هنا ليست سهلة أبداً وغير عادية، وفي حال استدرجت إسرائيل لبنان نحو الحرب عندها سيكون الحزب محشوراً، إنما في ظلّ ترقّب الأوضاع والمعادلة الجديدة التي ستفرض نفسها على الحدود، يبقى السؤال كيف سيردّ الحزب، على أي مستوى وكيف ستكون ردّة الفعل الإسرائيليّة على هذا الردّ؟