تضع إسرائيل لبنان في عين العاصفة من خلال الاستفزازات والاغتيالات التي استهدفت وتستهدف قادة حركة "حماس" و"حزب الله" ومسؤولين في "الحرس الثوري الإيراني" من خلال تكثيف عملياتها على الأراضي اللبنانية السورية، ومواصلتها حرب الإبادة على الفلسطينيين، ولا تبالي بتقويض الجهود الأميركية لعدم توسيع الجبهات، وإفشال المساعي الإيرانية للحصول على الجائزة الكبرى في اليوم التالي لانتهاء الحرب على غزة في آن معاً.
ويواجه محور الممانعة هذا التصعيد النوعي بضبط النفس والدعوة إلى الصبر الاستراتيجي، وانتظار استفحال التباين بين الإدارة الأميركية والحكومة الإسرائيلية ليلعب على التناقضات، مع تضخيم لتداعياتها ومع رهان على خلافات حادة في الداخل الإسرائيلي تطيح رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، واحتمال انطلاق تسوية ما تصب في مصلحة مشاريعه وتكرس أكثر فأكثر سيطرته على الدول التي يصادر سيادتها.
وفي حين يشير مسؤولون إسرائيليون إلى أنّ الحرب على الجبهتين الجنوبية والشمالية ستستمر لأشهر، يبقى رأس محور الممانعة في قاعة انتظاراته مترقباً ما ستحمله نتائج الانتخابات الأميركية، ليصار إلى التفاوض مع الرابح.
أما الإدارة الأميركية، فهي من جهتها، وخلال هذه المرحلة الحساسة والدقيقة مع انطلاق معركة الانتخابات الرئاسية لديها، فهي «تعمل على القطعة» مع إيران، وتحديداً بما يتعلق بلبنان، لذا كان التوافق بين الطرفين بشأن التمديد لقائد الجيش جوزاف عون، ولذا كان الحرص على لجم التطورات العسكرية على جبهة الجنوب اللبناني، وعدم توفير المساعي الحثيثة الدولية والجهود الدبلوماسية للتحذير من عواقب انفلات الجبهة اللبنانية. فهذه الإدارة تضع أيضاً قراراتها المفصلية في قاعة الانتظارات، ولن تحسم أي خطوة بشأن المنطقة إلا بعد الانتخابات، وهي لا تخفي إرادة واضحة لديها ومنذ اليوم الأول الذي تلى عملية «طوفان الأقصى» بعدم التوسيع. وليس أدل على ذلك رغبتها بالتصديق أن لا علاقة لإيران بها ولا معرفة مسبقة لديها بنية حركة «حماس» القيام بها، ومن ثم عدم تعليقها على التصريحات الإيرانية التي أعقبت اغتيال القيادي في «فيلق القدس» رضي موسوي من أنّ العملية جاءت كحلقة من حلقات الانتقام لاغتيال قائد الفيلق قاسم سليماني.
وتجدر الملاحظة أنّ «حزب الله» بدوره لم يعلِّق على هذا التصريح، ولم يتطرق إليه الأمين العام حسن نصرالله في الكلمتين اللتين أعقبتا اغتيال العاروري، وسط سعي واضح لتجنب التصعيد الكبير وايحاءٍ أوضح باستعداد لفتح باب المفاوضات والاستفادة من «الفرصة التاريخية» بعد وقف الإبادة الممنهجة لفلسطينيي قطاع غزة.
فالظاهر أنّ المصلحة المشتركة الإيرانية والأميركية مرغمة على مواجهة تهور نتنياهو، وهروبه إلى الأمام وإسرافه في التهديدات وبأسلوب شعبوي مبتذل، ولامبالاته حيال إمكانية انفجار الوضع الممسوك على الجمر، وتوسيع الحرب ليورط الولايات المتحدة التي ستضطر الى مساندة إسرائيل، وتحديداً إذا اجتاحت الجبهات سخونة على أيدي الأذرع الإيرانية في المنطقة... أو أن التسويات الكبرى لا تنطلق إلا بعد العواصف، وهي لن تكون بالتأكيد مراعية لمصلحة لبنان واللبنانيين، والاهم هي لن تصب في مصلحة الحل العادل للفلسطينيين. وإذا ما انطلقت الصفقة على صعوبة مسالكها، ستحكمها معادلات مستحيلة مع مسعى أطراف الصراع والمفاوضات على حد سواء، إلى تحصيل أكبر نسبة من المكاسب.
وحيال هذه التعقيدات، قد لا يملك سماسرة «حرب غزة» إلا ترقب الخطوات التالية، إذا ما استمرت إسرائيل في مغامرتها ووسعت الجبهات مراهنة على استدعاء تدخل الإدارة الأميركية وقلب الطاولة على التوافق الضمني لهذه الإدارة مع إيران، مع علم نتنياهو المسبق بأنه لن يكون رابحاً، وإن خسر الآخرون.
المصدر: نداء الوطن