كل ما يظهر من كواليس المفاوضات الدولية، لتلافي التصعيد العسكري والحرب في المنطقة، يشير إلى تقديم عروض متعددة، غايتها إرساء تفاهمات بعيدة المدى. يستخدم المسؤولون الدوليون عبارة إيجاد حل طويل الأمد، وإرساء الاستقرار بعيد المدى على الحدود الجنوبية للبنان.
اهتمامات هوكشتاين
هذا الكلام يلتقي مع ما صرح به رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، مشيراً إلى استعداد لبنان لتكريس استقرار مستدام في الجنوب، إنطلاقاً من رفض التصعيد وعدم الرغبة بالحرب. موقف الحكومة اللبنانية بالإضافة إلى موقف حزب الله، شكل قوة دفع للأميركيين في سبيل التحرك على الجانبين اللبناني والإسرائيلي سعياً لإنجاز هكذا اتفاق.
إلى جانب الأميركيين تبرز المساعي الأوروبية المتعددة أيضاً على الخطّ نفسه. لكن كل المعطيات تؤكد أن واشنطن هي راعية الحلّ، وهي التي ستعمل على صناعته. في هذا الإطار، تأتي زيارات المسؤولين الدوليين، فيما يبقى لبنان بانتظار زيارة المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين، الذي يتولى الملف. وحسب ما تشير مصادر ديبلوماسية لـ"المدن"، فإن هوكتشاين سيكون مهتماً بملف ترسيم الحدود البرية من نقطة b1 إلى مزارع شبعا. وفي هذا السياق، تشير المصادر الديبلوماسية إلى أن بعض الكلام حول تراجع هوكشتاين عن البحث في مزارع شبعا يأتي بسبب اعتراضات داخلية أميركية على دوره، وأنه يجب أن يكون محصوراً بملف النفط والغاز فقط. علماً أن المصادر تؤكد أن هوكشتاين، في زيارته الأخيرة إلى لبنان وفي لقاءاته الدولية مع مسؤولين وديبلوماسيين، شدد على أنه يريد إنجاز حل كامل، بما فيه مزارع شبعا، ووضعها تحت وصاية الأمم المتحدة.
ضمانات حدودية
طبعاً كل هذا النقاش التفصيلي والرسمي مؤجل إلى ما بعد الحرب على قطاع غزة. ولكن ما يجري هو تمهيد الأرضية للوصول إلى الاتفاق حول ترسيم الحدود البرية. وفي إطار المفاوضات، فإن ما يصل إلى لبنان من رسائل يشدد على الاهتمام الغربي والإسرائيلي بتوفير ضمانات لإعادة سكان المستوطنات الشمالية. ومن بين هذه الضمانات التي تقترحها القوى الدولية، هو مسألة انسحاب حزب الله بقوته العسكرية الأساسية، وخصوصاً الأسلحة الدقيقة والصواريخ والمسيرات.
ولكن، هذا لا يعني أن ينسحب الحزب بشرياً من الجنوب. فبعض الجهات الدولية تتحدث عن مسألة بقاء مسؤولي الحزب ومراقبيه العسكريين في البلدات الجنوبية، طالما أنهم أبناء هذه البلدات. ولكن من دون السلاح الثقيل أو المتطور.
تسوية رئاسية
كل هذه الاقتراحات واردة لبنانياً، ولكن ضمن سلة متكاملة، تتعلق بترسيم الحدود البرية وانسحاب اسرائيل من النقاط الـ13 المختلف عليها، والعودة إلى ترسيم الحدود الدولية المرسمة عام 1923، بالإضافة إلى الإنسحاب من نقطة b1 وإعادتها إلى السيادة اللبنانية، وصولاً إلى حلّ لمزارع شبعا وتلال كفرشوبا، مقابل عدم الاستمرار في الخروقات الإسرائيلية. وهذا سيعد انتصاراً للبنان في حال تحقق.
الوصول إلى هذا الاتفاق يرتبط بمسألتين أساسيتين، وهما وقف الحرب في غزة، وانتخاب رئيس للجمهورية وإعادة تكوين السلطة. لأنه لا يمكن الخوض في مثل هذه الاتفاقات من دون وجود رئيس للجمهورية وسلطة منتخبة وأصيلة، هي التي توقع على الاتفاقيات. وحسب ما تشير المعطيات، فإن الدفع الرئاسي سيتزايد في المرحلة المقبلة، من التحضير لعقد اجتماع خماسي إلى زيارة للعديد من الموفدين في سبيل تحريك الجمود الرئاسي. كما أن هوكشتاين سيشدد خلال زيارته على ضرورة إنجاز هذا الاستحقاق أيضاً.
في هذا السياق، وبما أن المنطقة كانت على مفترق طرق بين إما التسوية أو الحرب الكبرى، فإن التسوية لا بد لها أن تعكس رئيساً يتلاقى مع مفهومها، ويكون مقبولاً من غالبية الأفرقاء.
المصدر: المدن