وصلت المنطقة إلى مسار من إثنين. إما التصعيد الكبير الذي لا يريده أحد، وإما العودة إلى تفاهمات بناءً على تقاطع المصالح. يأتي ذلك في ظل اتساع رقعة الاشتباكات بين إيران وحلفائها من جهة، والولايات المتحدة الأميركية من جهة أخرى. وهي اشتباكات تأتي على وقع تعدد خطوط ومسارات المفاوضات بين الجانبين، من جنيف إلى سلطنة عمان. لا ينفصل لبنان عن هذه المسارات. لا بل هو في قلبها. وأبرز الأدلة حول المسارين المفروضين موجودة فوق أراضيه، بين التصعيد العسكري الإسرائيلي أو مفاوضات سياسية وديبلوماسية تفضي إلى حلّ وتكرس الاستقرار. وأي حل يرتبط حكماً بمسار الحرب على قطاع غزة، والتي يريد الإيرانيون زيادة كل أنواع الضغط في سبيل وقفها.
الانسحاب الأميركي
لا تتخلى الولايات المتحدة الأميركية عن قناعتها بخيار التفاهم مع إيران. لذلك، فإن الرد الأميركي المتوقع على الهجمات التي استهدفت قواعدها وجنودها، سيكون موضعياً من دون التورط بحرب كبرى، على أن يلي هذا الرد تجديدٌ للمفاوضات. وهذه المفاوضات التي تجري مع إيران حول ترتيب الوضع في المنطقة، ككل لا تنفصل عن مفاوضات حول استكمال مسار الانسحاب الأميركي من الشرق الأوسط. خصوصاً في ظل وجود نقاش داخل الولايات المتحدة الأميركية حول ضرورة إعادة الجنود المنتشرين في الكثير من البقع، وخصوصاً في الشرق الأوسط، لا سيما أنها منطقة دائمة الاشتعال المتجدد.
عملياً، كل الفراغات الأميركية في المنطقة، أو التي تسبب بها الأميركيون منذ الحرب على العراق، انتهزتها إيران لسدها والحلول مكانها. ولذلك، ليس من الصدفة أن يأتي استهداف الجنود الأميركيين في الأردن، على وقع المباحثات داخل أميركا حول الانسحاب من سوريا والتفاوض مع الحكومة العراقية للانسحاب أيضاً.
يمكن لهذه الضربة في الأردن أن تستدعي رداً أميركياً موضعياً، ولكنها أيضاً ستفرض ضغوطاً جديدة على الأميركيين لتسريع الانسحاب، والذي إن حصل سيسهم في زيادة وضعية النفوذ الإيراني، ولكن بشرط منح الضمانات لإسرائيل وإزالة أي تهديدات قد تتعرض لها.
رسالتا تهديد
في هذا السياق لا بد من الوصول إلى قناعة بأن الأميركيين يتعاطون مع الطرف القوي القادر على فرض معادلات والخوض في تفاهمات وتقاطعات. وهو ما تفعله إيران، انطلاقاً من مسارات سد الفراغ بحلفاء وميليشيات. وليس بعيداً عن هذا التوجه الأميركي، تتردد أجواء في لبنان عن أن واشنطن تفضل أيضاً التفاهم مع الطرف الأقوى، والذي تم معه ترسيم الحدود البحرية، وإعادة تكرار المسار في الحدود البرية وإرساء الاستقرار، لأن ذلك يبقى أفضل من العلاقة مع خصوم الله المشتتين وغير موحدي الرؤية.. طالما أن أي تفاهم أو تقاطع سيفضي إلى معادلة أساسية، وهي توفير الأمن والاستقرار لإسرائيل، كما هو الحال بالنسبة إلى المعادلة الأميركية في المنطقة، وإن كانت تمنح مزيداً من النفوذ لإيران. ولكن بشرط أن يكون منضبطاً في مقابل أن تكون إسرائيل آمنة ومستقرة.
لذلك، فإن لبنان يجد نفسه في قلب هذه المفاوضات، خصوصاً أن غالبية الموفدين الدوليين الذين يأتون إلى بيروت، يكون همهم التواصل مع الحزب، ونقل الرسائل إليه أو التفاوض معه، كما هو الحال اليوم بالنسبة إلى جولات هوكشتاين، أو غيره من الموفدين الذين نقلوا المزيد من رسائل التهديد والتخويف.
وحسب المعلومات فقد وصلت مؤخراً رسالتان عبر جهتين عربيتين، تتضمن تهديدات اسرائيلية بتوسيع العمليات العسكرية في الجنوب، بحال لم يتم الوصول إلى اتفاق سياسي. والاتفاق السياسي المفترض ينص -حسب الرسائل- ليس فقط على إعادة الاستقرار وتثبيت الحدود، إنما نزع سلاح حزب الله الثقيل ومنصات الصواريخ والصواريخ الدقيقة والبعيدة المدى جنوب نهر الليطاني، بالإضافة إلى عدم بروز أي حركة تسلح عسكرية أو إعادة بناء مراكز ومقرات وأبراج مراقبة ومخازن صورايخ مستقبلاً. فيما يسعى الإسرائيليون إلى تحقيق بعض من هذه النقاط من خلال عمليات التدمير الواسعة، التي يقومون بها في الجنوب، أو بتنفيذ المزيد من عمليات الاغتيال ضد كوادر الحزب.
المصدر: المدن