في بلدٍ يتآكل فيه الاقتصاد الوطني بعد انهيار مؤسسات الدولة واحدةً تلو الأخرى إثر الأزمات المتتالية التي حتّى هذا اليوم، لم يجد لها المسؤولون حلاً فعلياً، وبالرغم من الجلسات المكثّفة لإقرار موازنة العام 2024، لم تُفلح الأخيرة في إحداث توازن بين قيمة الحوافز بالليرة ومستوى غلاء الأسعار المتزامن مع الدولرة، الأمر الذي جعلَ الموظفين والمتقاعدين في حالة تحرّك دائم لتحصيل حقوقهم.
وبالتزامن مع الجلسات الحكومية، يرفعُ العسكريون المتقاعدون الصرخة في وجه المعنيين عبر التحرّكات الاحتجاجية وإقفال مداخل السراي الحكومي، مُطالبين بحقوقهم ومُذكّرين بوجودهم وتضحياتهم في سبيل الوطن، خاصةً بعد انخفاض قيمة رواتبهم بشكل كبير، نظراً لزيادة الضرائب بالدولار وغلاء المعيشة على المواطن اللّبناني.
في السياق، أشارَ العميد المتقاعد الطيّار أندريه أبو معشر إلى أنَّ "الحكومة لا تريد معالجة جوهر الأزمة، فالمرسوم الذي أعدّته لا يتوافق مع مطالبنا، إذ لا يرتكز على مبادئ العدالة والمساواة والحدّ الأدنى للعسكري المتقاعد لعيش حياة كريمة"، لافتاً في حديث لمنصّة "بلوبيرد لبنان" إلى طرح مقدّم يشكّل حلاّ مستداماً لموضوع الرواتب والأجور بحسب قدرة الحكومة على تسديدها، ويترافق وتصحيح متدرج للرواتب وفقاً لنمو مداخيل الدولة، من أجل المحافظة على الاستقرار النقدي، ومنع الزيادات العشوائية إلّا أنَّ الحكومة لم تتجاوب معه.
ورأى أبو معشر أنَّ الحكومة تُعيد خطأ العام 2017 عبر تقديم العطاءات والحوافز دون توفير التمويل اللازم، داعياً إلى وقف الاستنسابية وإعطاء نسبة واحدة وعادلة لكلّ القطاع العام من موظفين وأساتذة وقضاة وعسكريين متقاعدين، ومطالباً بإدراج الزيادات في أساس الراتب لينعكس إيجاباً على مبلغ تعويض المتقاعد في ما بعد.
وإذ شدّد أبو معشر على "أننا مسؤولون عن مجموعة تمثّل ضمير الوطن، بالإضافة إلى عائلات الشهداء والمعوقين التي يجب أن تؤمن لها الدولة حقوقها لعيش حياة كريمة"، طالبَ الحكومة والمعنيين بملف تحديد الأرقام ونسب الزيادة، بتوفير الإجابات حول السؤال الجوهري المحدّد: ما الرقم الذي ستكون عليه معاشات المتقاعدين الذين تقل معاشاتهم عن مليون ليرة، وهل يمكن القبول بحد أدنى يقل عن 145 دولار شهريّاً؟ وهل تقبل الحكومة بأنه عندما سيصبح الحد الأدنى للفئة الخامسة في القطاع العام نحو 400 دولار أميركي، سيوازيه حد أدنى للرتب الدنيا من المتقاعدين قيمته 145 دولاراً أميركيّاً؟ هل تقبل الحكومة بأن يكون معاش عائلة شهيد أقل من 150 دولاراً أميركيّاً؟، مؤكّداً أنَّ هذه هي القضية الجوهرية في تحرك العسكريين المتقاعدين الذين لن يقبلوا إلا بحد أدنى للمعاشات يؤمن للمتقاعد حقه بالعيش الكريم.
من جهةٍ أخرى، علّق أبو معشر على المواجهات بين العسكريين والقوى الأمنية في تحرّك يوم الخميس المنصرم، بالقول إنّه "لأمر مؤسف أن نكون أمام هكذا مشهد، إلّا أنَّها سياسة الدولة المعتادة، في ظلّ غياب المسؤولين"، مضيفاً أنّه "خلال كلّ تحرّك نحذّر العسكريين في صفوفنا من التعرّض للأجهزة الأمنية، وقطع الطرقات وحرق الإطارات، إذ إننا نحمل رسالة، ولم يكن يوماً هدفنا الشغب و"العنتريات"."
وعن التحرّكات المُقبلة، قالَ أبو معشر إنَّه ما لم تتوفّر البوادر الإيجابية، فإننا ذاهبون نحو التصعيد حتماً في الشارع، موضحاً المعلومات حول الانقسامات في صفوف العسكريين بالقول إنَّ "الانقسامات موجودة وتتمثّل بمَن يريد الذهاب نحو التصعيد بالطرق غير السلمية وذاكَ الذي يريد المطالبة بحقوقه بالطرق المشروعة السلمية، إلّا أنّه لا وجود لنوع آخر من الانقسامات، بحيث إنّ كلّ العسكريين المتقاعدين مؤيدون للتحرّكات".