مع إنتشار نبأ دعوة روسيا للفصائل الفلسطينية إلى اللقاء في موسكو آخر الشهر الجاري، برز السؤال: ماذا تريد موسكو من اللقاء، ولماذا اختارت الفصائل الفلسطينية موسكو لتتفاوض في ما بينها. وعلى الرغم من مبادرة الحكومة الفلسطينية الحالية إلى تقديم إستقالته وانتظار نتائج اللقاء لتشكيل حكومة تكنوقراط غير سياسية إقترحتها موسكو، يبقى ضيقاً هامش التفاؤل بتوصل اللقاء إلى نتائج إيجابية . عبء مأساة غزة يثقل كاهل حماس وجميع الفصائل الفلسطينية، ومع ذلك لم تتمكن خلال كل هذه الأشهر من تخطي التحفظات المتبادلة والتوافق فيما بينها على وحدة القرار الفلسطيني. فما هي العصا السحرية التي تملكها موسكو، والتي تجعلها تأمل بتحقيق ما فشل آخرون كثر في تحقيقه، أم أنها اعتادت أن تقطف من الإجتماع مجرد إنعقاده لإثبات حضورها في الشرق الأوسط وصراعاته؟
في العودة إلى اللقاءات السابقة التي عقدتها موسكو للفصائل الفلسطينية، نشرت وكالة الأنباء الروسية REGNUM في 25 نيسان/أبريل العام 2012 نصاً بعنوان "لماذا على خلفية الإخفاقات السابقة، تجمع موسكو الفلسطينيين مجدداً". في فقرة من نص طويل، قالت الوكالة بأنه على الرغم من الإخفاقات السابقة على الإتجاه الفلسطيني، تسعى موسكو لاستغلال الوضع الجيوسياسي المؤاتي للغاية لكي تخلق من جديد تصوراً وكأنها تملك تأثيراً على التسوية في الشرق الأوسط.
تحدثت الوكالة حينها عن جولة أولى من لقاء الفصائل الفلسطينية دفعت "إنجازاتها" روسيا إلى الدعوة لجولة ثانية في العام التالي. ونقلت عن مصدر للوكالة الروسية الأخرى iNTERFAX قوله بأن روسيا، وللمرة الأولى منذ عدة سنوات، تختطف المبادرة من الشركاء الآخرين في التسوية الشرق أوسطية. وتابعت الوكالة قائلة أن الروس تسرعوا بافتراض اختطافهم المبادرة، حيث أجل أبومازن الإنتخابات البلدية التي تم في لقاء موسكو الإتفاق على إجرائها، وحين احتاجت حماس لوسيط من أجل الإتفاق على وقف إطلاق النار مع إسرائيل لجأت إلى القيادة المصرية والمبعوث الخاص للأمم المتحدة، وليس إلى روسيا.
على الرغم من مرور كل هذه السنوات، لم تتغير مقاربة موسكو للقاءات الفصائل الفلسطينية التي تبادر إلى تنظيمها. فهي تستخدم هذه اللقاءات للتأكيد على تأثيرها في التسوية الشرق أوسطية، والذي جعلته(التأثير) حرب إسرائيل على غزة يتراجع عما صار إليه بعد حربها على أوكرانيا. فقد نشر موقع radiosputnik في 16 الجاري نصاً تحدث فيه عن سبب عقد لقاء الفلسطينيين في موسكو. نقل الموقع عن المستشرق Andrey Ontikov قوله بأن اللقاء بوسعه أن يضع الأساس للمصالحة الفلسطينية. وأشار إلى أن دولاً عديدة، وفي مقدمتها مصر، حاولت تذليل الإنقسام بين فتح وحماس، لكن بلا طائل حتى الآن. والإنقسام الفلسطيني قد يكون العقبة الأولى التي تعيق تقدم التسوية الشرق أوسطية وإقامة الدولة الفلسطينية. فالإسرائيليون، ومنذ ما قبل التصعيد الجديد في غزة، كان بوسعهم القول دائماً: فليتفق أولاً الفلسطينيون في ما بينهم، وبعدها سنفكر في إجراء مفاوضات ما معهم.
ينتهي المستشرق إلى القول بأنه تطور إيجابي للغاية أن يعقد مثل هذا اللقاء في روسيا، ف"نحن "كدولة تلعب دورًا عالميًا، لا يمكننا أن نبقى بمعزل عن التسوية في الشرق الأوسط".
لا ينفرد المستشرق في رأيه هذا، بل يعبر عن رأي المؤسسة الحاكمة التي ترى في كل زيارة لمسؤول شرق أوسطي أو لقاء على أراضيها يتعلق بالمنطقة، دليلاً على أهمية دورها العالمي في الشرق الأوسط. فقد نشرت صحيفة الأعمال الروسية الكبيرة vedomosty نصاً بمناسبة زيارة اللجنة السباعية العربية الإسلامية في 22 تشرين الثاني/أوكتوبر المنصرم، نقلت فيه عن خبراء آراءاً تتوافق مع الرأي السابق.
نقلت الصحيفة عن Andrey Kortunov، المدير الأكاديمي للمجلس الروسي للعلاقات الدولية RIAC، قوله بأن الدول العربية والإسلامية تريد الحصول على دعم روسيا والصين لموازنة الدور المهيمن للولايات المتحدة. فالعرب لا يريدون الإعتماد كلياً على الولايات المتحدة الممسكة حتى الآن بزمام المبادرة في الوساطة بالشرق الأوسط والوحيدة القادرة على الضغط على إسرائيل. لكن من الواضح أن الولايات المتحدة لن تقدم على ما من شأنه أن يلحق الضرر بإسرائيل، وتقوم بمناورات لصالح الدول العربية والإسلامية على حساب الدولة اليهودية.
يضيف Kortunov أن العرب يخشون أن تحاول الولايات المتحدة العودة إلى "إتفاقيات إبراهيم"، وتتجاهل "الشارع العربي" المؤيد لفلسطين وتمارس الضغط على النخب العربية الإسلامية للخضوع لمطالب تل أبيب. والعرب يرغبون بأن يضيفوا إلى هذه المعادلة لاعبين جدداً بوسعهم موازنة الضغط الأميركي. وقائمة هذه الدول ليست كبيرة ـــ روسيا، الصين، تركيا وبعض دول "جنوب الأرض".
كما تنقل الصحيفة عن الخبير الأول في معهد الشرق الأوسط Sergey Balmasov قوله بأن من المفيد لروسيا أن تكون شريكاً في مثل هذه المشاريع، حيث تظهر للمحللين الخارجيين أنها ليست معزولة، كما حاولوا أن يفعلوا معها منذ بداية الأزمة الأوكرانية. ويرى أن مثل هذه اللقاءات هي الأساس لتعزيز علاقات موسكو مع دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ويقول أن الدول العربية والإسلامية أظهرت حتى الآن عجزها عن فعل أي شيء في هذه الأزمة، وبالتالي تبحث عن دعم أطراف ثالثة مثل بكين وموسكو التي من غير المرجح أن تدخل في صراعات خطيرة من أجل المصالح الفلسطينية.
وكالة تاس نشرت في 21 الجاري نصاً عنونته بالقول " في اللقاء بروسيا، يعتزم الفلسطينيون التوصل إلى اتفاق بشأن تشكيل حكومة تكنوقراط". نقل مراسل الوكالة في القاهرة عن العضو في فتح أيمن رقب ( لم يذكر منصبه) قوله بأنه يأمل بالتوصل في لقاء موسكو إلى التوافق على تشكيل حكومة تكنوقراط فلسطينية موحدة ليس لديها أهداف سياسية، وواثق من تذليل العقوبات بشأن هذه المسألة في اللقاء. وأضاف بأن الفصائل الفلسطينية استجابت لاقتراح روسيا عقد اللقاء في موسكو، ومبادرتها المتعلقة بضرورة تشكيل حكومة التكنوقراط الفلسطينية الموحدة. ويذكر أن السلطة الفلسطينية ربطت تشكيل الحكومة الجديدة بعد إستقالة الحالية بنتائج لقاء الفصائل بموسكو.
ونقلت عن رقب قوله بأن القيادة الفلسطينية تعتزم تجاوز الخلافات مع الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة. ويرى أنه إذا لم يحدث ذلك في لقاء موسكو فإن أزمة العلاقات بين الفصائل الفلسطينية ستستمر.
الطبعة الإسرائيلية من موقع NEWSru الروسي نقلت في 25 الجاري عن مصدر في حماس قوله بأن المفاوضات بشأن تشكيل حكومة غزة الوطنية ستجري في موسكو.
كلام المصدر جاء في مقابلة مع قناة تلفزة عربية، وأكد فيه أن حماس ليست معنية بأن تنتقل السلطة في القطاع إلى حكومة محمود عباس، وذلك لفسادها. وأضاف المصدر أن حماس معنية في تشكيل حكومة وطنية فلسطينية نزيهة في ظل توافق جميع الفصائل الفلسطينية.
نقل الموقع عن الخارجية الروسية بأن هدف اللقاء بين الفصائل الفلسطينية في موسكو ـــ "التغلب على الإنقسام الداخلي". وأشار إلى أن اللقاء السابق في موسكو بين الفصائل الفلسطينية جرى في العام 2019 بمبادرة من الخارجية الروسية. وكان من المفترض أن يتم إقرار "إعلان موسكو" للتغلب على التناقضات بين مختلف الفصائل الفلسطينية. وتم التوصل إلى إتفاق على مجابهة "صفقة القرن" الأميركية وأي "مؤامرات أخرى للقضاء على القضية الفلسطينية". إلا أن حماس و"الجهاد الإسلامي" رفضتا التوقيع على الإتفاق، وتعين على فتح أن تقدم إعتذارها للسلطات الروسية.
المصدر: المدن