القيصر بوتين في رئاسته الخامسة

أرملة زعيم المعارضة الروسية المغدور ألكسي نافالني، وفي نص نشرته صحيفة The Washington Post الاميركية، في 13 الجاري، دعت لعدم الإعتراف بشرعية بوتين. وجاءت دعوتها في سياق خطة اقترحتها يوليا نافالنايا لتعجيل نهاية نظام بوتين في روسيا، حسب الخدمة الروسية في دويتشه فيله DW في اليوم عينه. وتساءلت نافالنيا: لماذا زعماء العالم المنتخبون يضعون أنفسهم على نفس المستوى مع قاطع طريق يزور الإنتخابات منذ عشرات السنين، وأشعل الآن حرباً دموية في أوروبا. ورفضت أن تصفه سياسياً، بل "قاتل، قاطع طرق وزعيم عصابة".

مقالة يوليا نافالنايا جاءت بمناسبة إنطلاق الإنتخابات الرئاسية في روسيا في 15 الجاري وتستمر حتى 17 منه. ولم تسمح لجنة الإنتخابات المركزية سوى لثلاثة أشخاص "بمنافسة" بوتين على منصب رئاسة روسيا لمدة 6 سنوات. وتجدر الإشارة إلى أن بوتين كان قد وقع في ربيع العام 2021 على تعديلات في الدستور الروسي تسمح له بالترشح عدة مرات متلاحقة للرئاسة، بعد أن كانت تقتصر على دورتين متلاحقتين فقط في الدستور القديم.  

النقطة الأول في الخطة التي إقترحتها نافالنايا تطالب بسحب الاعتراف بشرعية رئاسة بوتين. وتبرر ذلك بالقول أنه بالنسبة "للقادة المجرمين، تعتبر المكانة مهمة جدًا - سواء داخل عصاباتهم أو في العالم الخارجي". وتضيف بأن عدم الإعتراف بنتائج الإنتخابات الرئاسية الحالية لن يفضي إلى سقوط نظام بوتين على الفور. لكنها تعتبره إشارة هامة للعالم بأسره، وكذلك للمجتمع المدني في روسيا وللنخب التي لا تزال تؤيد بوتين. إشارة تقول أن روسيا يحكمها رئيس غير معترف به عالمياً، بل "رئيس محتقر ومدان  علناً". 

رأت نافالنايا أن المال مهم جداً للقادة المجرمين، فبدونه يفقدون ولاء أتباعهم. ولذا طالبت بتوسيع العقوبات والتشدد في تطبيقها وشمولها جميع السياسيين ورجال الأعمال المرتبطين ببوتين والمسؤولين في الأجهزة الأمنية الروسية. 

يوليا نافالنايا التي ورثت زعامة المعارضة الروسية إثر إغتيال زوجها ألكسي في معتقله القطبي، تعتبر تأييد الغرب لأوكرانيا في حربها ضد غزو بوتين "خياراً أخلاقياً طبيعياً". وترى أن هزيمة بوتين في أوكرانيا من شأنها أن تضع النظام على حافة الكارثة. لكنها تستدرك بالقول أن الهزائم لا تؤدي دائماً إلى سقوط الأنظمة الديكتاتورية. 

تجدر الإشارة إلى أن نافالنايا كانت قد دعت الناخبين الروس إلى ما سمته "منتصف النهار" الذي يفترض أن يحتشد الناخبون في مراكز الإقتراع في تمام الساعة 12 ظهراً ويدلوا باصواتهم إلى مرشح آخر غير بوتين. 

Alina Vitukhnovskaya اعترضت على دعوة نافالنايا هذه واعتبرتها بمثابة تشريع للإنتخابات. وكانت Alina قد نشرت في 13 الجاري نصاً على موقع Kasparov المعارض تحت عنوان "منتصف النهار غير الشرعي". أوجزت الكاتبة مقالة نافالنايا في الصحيفة الأميركية وتساءلت عن السبب الذي دفع زعيمة المعارضة الروسية لمثل هذه الدعوة. ورأت الكاتبة أن مجرد الحضور إلى مراكز الإقتراع يعتبر إعترافاً بشرعيتها. واتهمت نافالنايا بالخوف من السقوط من الفضاء الإعلامي، وخاطبتها بالقول "أن كلفة السقوط فظيعة بالنسبة للسمعة، لكن الكلفة التي سيتحملها المجتمع مميتة". 

ترى الكاتبة أن فرض الشعور بالذنب على الجماهير المضطهدة ليس أكثر من أداة تلاعب معطلة. إن إدراك الذنب عن كل ما يحدث، وخاصة فعلة ما، يتطلب على الأقل بعض الوعي والذاتية من قبل المتهم. 

الطريق إلى الأمة السياسية الذي لا يزال ممكناً في روسيا، لا يمر عبر التوبة الجماعية التي تشكل تربة خصبة للثأرية، بل من خلال إدراك لا عقلانية المسارات السابقة ومحاولات التطوير في إيديولوجيات الحداثة، ثم التقليدية، والأوراسية، التي تبين أنها غير قابلة للتطبيق في الواقع الروسي.

تنقل الكاتبة عن نافالنايا قولها بأنها ما أن تسمع اللغة الروسية في المنتجعات حتى تبتعد عن المتحدثين. وتتوجه إليها بالقول أن التصريح بكراهية الشعب يحرمها أي مستقبل سياسي، وينقل تأثيرها على الوضع من الصفر إلى قيمة سالبة. وتقول بأن السلطات الروسية سوف تستغل الأمر وتقول للروس "أنظروا ما هم عليه! إنهم يكرهونكم".

ترى الكاتبة أن المشكلة وسط المعارضة الروسية تتمثل في نشؤ مجموعات تحكم العلاقات بينها معادلة "أنا أدفع لك، وأنت تجري خلفي". وتقول أنه كان من الأجدى إقامة علاقات تعاقدية يستطيع المشاركة فيها كل من يتقاسمون قيم الديموقراطية والليبرالية. ومن شأن ذلك، برأيها، أن يجتذب الكثير من الناس، ولما كان ليطرح السؤال المطروح الآن عن غياب الإحتجاجات وجماهيرية الحركة المعارضة. 

تشير الكاتبة إلى إعتداء بالضرب المبرح تعرض له مدير حملة مرشح للرئاسة رفض طلب ترشيحه. وترى فيه إرهاباً جسدياً جماعياً للمعارضة بأسرها، ويهدف إلى نشر الترهيب قبل الإنتخابات.  

رئيس تحرير صحيفة Novaya المعارضة والتي تصدر في أوروبا Kirill Martynov  نشر شريط فيديو في 15 الجاري تحدث فيه عن التزوير في الإنتخابات الرئاسية في روسيا العام 2018 الذي أوصل بوتين إلى رئاسته الحالية الرابعة. ينقل رئيس التحرير عن مجموعة متطوعين روس شاركوا في مراقبة تلك الإنتخابات وشهدوا الكثير من عمليات التزوير الفاضحة التي سجلتها كاميرات المراقبة المثبتة في مراكز الإقتراع. بعض هذه العمليات نشره على نطاق واسع عدد من أعضاء المجموعة، فسارعت السلطات إلى زجهم في السجون. بعض أفراد المجموعة تمكن من مغادرة روسيا إلى أوروبا، وحملوا معهم أشرطة تسجيل المعلومات المتعلقة بنتائج تلك الإنتخابات. استعان هؤلاء بالذكاء الإصطناعي لتحليل النتائج فتبين لهم أن حجم الأصوات الذي سجل لبوتين في تلك الإنتخابات كان مضخماً بنسبة  40%،  مما سمح لهم بالتوصل لاستنتاج عدم شرعية بوتين في رئاسته الحالية، وهو ما أعلنه Martynov في شريط الفيديو المذكور. 

موقع الخدمة الروسية في دويتشه فيله DW نشر في 14 الجاري نصاً بعنوان "الإتحاد الأوروبي والنااتو يشككون في شرعية الإنتخابات الروسية". نقل الموقع عن ممثل جوزيب بوريل المسؤول عن السياسة الخارجية في الإتحاد الأوروبي Peter Stano قوله بأنه من الصعب أن نتصور إجراء انتخابات حرة ونزيهة وديمقراطية في روسيا بوتين. وأشار إلى أن روسيا تجري الإنتخابات في المناطق الأوكرانية المحتلة، وهو ما يعتبر غير شرعي وخرقاً للقانون الدولي. "إن الاتحاد الأوروبي لا يعترف على الأقل بالانتخابات التي تجريها روسيا في الأراضي المحتلة".

الأمين العالم لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ نقل عنه الموقع قوله بأن الإنتخابات في روسيا لن تكون حرة ونزيهة. وأشار إلى قمع السلطات الروسية للمعارضة ووسائل الإعلام، وقال" نحن نعلم بالفعل أن السياسيين المعارضين معتقلون وأن آخرين قد قُتلوا، والعديد منهم في المنفى". وأضاف قائلاً بأنه لم تعد هناك صحافة حرة ومستقلة في روسيا.

المصدر: المدن