رقصة «التانغو» تحتاج إلى شخصيْن، كذلك هي الحرب، تحتاج إلى طرفين، على الأقل، حتى ولو أعطيت اسماً مغايراً أو «حركياً»، كحرب مشاغلة أو حرب «تحريك» (بدل تحرير)، فليس مهماً ماذا يسميها مَن يباشرها، بل المهم كيف يتلقفها الطرف الآخر، الذي هو في هذه الحال، إسرائيل.
لبنان، منذ الثامن من تشرين الأول الفائت، في حال حرب، قد يقول قائل: لا حرب من دون اجتياح بري. ليس دقيقاً هذا الكلام، إسرائيل تشن حرباً على سوريا وعلى إيران في سوريا وعلى «حزب الله» في سوريا، وليس لها عسكري على أرض سوريا، أفليست هذه حرباً؟ أليست هناك مواجهة بين الحوثيين والتحالف الغربي؟ ولكن ليست هناك مواجهات على الأرض، مع ذلك فهي حربٌ كاملة الأوصاف.
إذا أسقطنا هذا الواقع على لبنان، نكون أمام حرب بين «حزب الله» وإسرائيل، منذ الثامن من تشرين الأول الفائت، أي في اليوم التالي لبدء عملية طوفان الأقصى.
ولا ينفع في هذا المجال القول إن لبنان ليس في حرب، فإذا كان كل ما يجري منذ الثامن من تشرين الأول الفائت، ليس حرباً، فكيف تكون الحرب؟ فهل الأشهر الستة التي مرت، والتي سقط فيها لـ»حزب الله» أكثر من مئتين وخمسين مقاتلاً، ودُمِّرت فيها منازل وشوارع في الجنوب، تدميراً هائلاً، هي مجرد «مشاغلة»؟ هل هذا يعني أنه حين تنتهي حرب غزة تنتهي، حكماً، الحرب في جنوب لبنان، ويعود كل طرف إلى «قواعده»؟ صعبٌ جداً العودة بعقارب الساعة إلى الوراء وكأن شيئاً لم يكن، على العكس من ذلك، تغيَّر كل شيء، غزَّة لم تعد كما كانت، سقط عملياً حكم «حماس» لها، وجاري البحث عمَّن يحكمها؟ هل يعود الحكم إلى السلطة الفلسطينية؟ أم يتم تشكيل قوات ردعٍ لبسط الإستقرار؟
بصرف النظر عن الحلول التي ستوضَع فإن مستقبل الوضع في جنوب لبنان، لن يكون معزولاً عما سيكون عليه الوضع في غزة، فإذا كان صحيحاً أنّ حركة «حماس» لن تكون شريكةً في أي حل، فإنّ «حزب الله» لن يكون شريكاً في أي حل في جنوب لبنان. هنا تقع العقدة الكأداء، فهل سيقبل؟ وما هو الثمن؟ هل يكون الثمن باستمرار الحرب؟ وما هي الكلفة؟ وأين إيران من كل ذلك؟
إنّ ما يجري أكبر من مجرد عقدة، هو يرقى إلى مستوى المعضلة، فهل يكون السابع من تشرين الاول، والثامن من تشرين الأول، بداية لمرحلة جديدة ليس لها ما يشبهها منذ 1948؟ في أي حال، لم تنتهِ أي حرب في الشرق الاوسط، بما فيها حروب لبنان، كما كان عليه الوضع قبل أي حرب من تلك الحروب.