حفلات من المزايدات!

لم يعد يحتمل الوضع اللبناني مزايدات إضافية تفاقم أزماته وتراكمها بطريقة تثير الخوف والقلق من مستقبل البلاد وتضعه أمام مخاطر جديدة سواءً في السياسة أو الأمن أو أي مجال آخر. ولا يملك لبنان ترف الانتظار في ظل تعطّل مؤسساته الدستوريّة منذ ما قبل انتهاء الولاية الرئاسية الأخيرة للعماد ميشال عون منذ أكثر من عام ونصف. للتذكير، الحكومة الحالية هي حكومة تصريف أعمال منذ إنتخاب المجلس النيابي الجديد.

الطامة الكبرى أن مستوى التحسس لهموم المواطنين عند شريحة واسعة من الأطراف السياسية هو مستوى منخفض جداً إن لم يكن منعدماً تماماً، ذلك أن التمترس خلف المواقف السياسيّة «الثابتة» والتي تغلّف بـ»المبدئيّة» أحياناً وبتوصيفات أخرى أحياناً أخرى، يشي بأن الأزمة طويلة وطويلة جداً.

ثم، لماذا لا يستطيع اللبنانيون، ولو لمرة واحدة استثنائيّة، أن «يلبننوا» هذا الاستحقاق الدستوري؟ فتراهم ينتظرون حراك سفراء من هنا أو بيانات من هناك أو إشارات من هنالك. فمع التقدير الكامل لكل الدول التي تسعى لمساعدة لبنان على تجاوز محنته «المفتعلة» من بعض الأطراف المحليّة؛ إلا أنه لا يمكن في نهاية المطاف إنتظار الترياق من الخارج.

الملفات المحليّة الضاغطة عديدة، لا بل عديدة جداً، إذ يمكن القول إنّ الأمور التي تسير بشكل انسيابي في البلاد محدودة جداً إن لم تكن معدومة، فالبلاد «تسير وعين الله ترعاها» كما يُكتب على ناقلات الخضار والفواكه. عمليّاً، لا أحد يعرف كيف تمشي الأمور في هذا البلد، ولكن الكل يعرف أن هذا الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي الشاذ لا يمكن أن يستمر على هذا المنوال إلى ما لا نهاية.

ماذا يمكن إنتظاره بعد؟ حرب إقليميّة مستعرة تطاول شظاياها الجنوب اللبناني، فراغ رئاسي، حكومة تصريف أعمال، مجلس نواب يشرّع ولا يشرّع، يجتمع ولا ينتخب رئيساً، اقتصاد متهالك باستثناء المطاعم والمنتجعات وعلب الليل، كهرباء لا تصل إلى المواطنين إلا ساعات محدودة في اليوم رغم توفر عروض عربيّة لتوفير الطاقة على مدار الساعة، مئات الآلاف من النازحين الذين يغيّرون تركيبة المجتمع ولا اتفاق على كيفيّة إعادتهم إلى بلادهم من دون تعرّضهم للأذى حينذاك، خلاف حول الأولويات والسياسات الخارجيّة والدفاعيّة والأمنيّة والاقتصاديّة وكل المسائل الأخرى عمليّاً…

ولكن، على الرغم من كل ذلك، يبقى لبنان بلداً يستحق العيش وفق صيغته التعدديّة المتنوعة. المطلوب عدم مبالغة أي من الأطراف في العناد والنكد السياسي لأن ذلك من شأنه فقط تعطيل الحياة السياسيّة، والمطلوب من جهة أخرى عدم انزلاق بعض الأصوات التي تنادي بطروحات عقيمة لا تتلاءم مع التركيبة اللبنانيّة إلى المغالاة في طروحاتها خصوصاً عند اعتمادها على مغالطات تاريخيّة وسياسيّة وحتى علميّة في ما تسوّق له. في لحظة الالتهاب الإقليمي الكبير، لا يمكن الركون إلى «ستاتيكو» حالي قد تخرج بعض مندرجاته عن السيطرة في اتجاه لا تحمد عقباه. ويبقى التعويل على القلائل من الذين يقرأون السياسة ومساراتها جيداً ويسعون لتجنيب البلاد كوارث مدمرة.

*المصدر: نداء الوطن