جنوب لبنان يشغل الروس أيضاً

ليست كثيرة النصوص التي تتناول لبنان في الإعلام الروسي الموالي والمعارض، بل غالباً ما يكتفي بالتغطية الإخبارية للوضع المتفجر على حدوده الجنوبية. وفي حين تحتل تطورات هذا الوضع مكاناً بارزاً في التغطية اليومية والنصوص التحليلية في وكالات الأنباء والصحف الغربية الكبرى، يتوقف الإعلام الروسي  عند المحطات البارزة في هذه التطورات. وبعد الغزو الروسي لأوكرانيا، أصبح هذا الإعلام يربط جميع التطورات في العالم، بما فيه الشرق الأوسط، بالصراع مع الغرب، ويستدل منها  على إنهيار النظام العالمي "القديم" في غمار حرب عالمية ثالثة، وبزوغ فجر نظام جديد بقيادة روسيا والصين. 

هذه الترسيمة تجدها في النصوص التحليلية لأكثر مواقع الإعلام الروسي جدية. فقد نشر موقع المجلس الروسي للعلاقات الدولية RIAC في 4 الجاري نصاً أكد فيه على حتمية إندلاع حرب مباشرة بين حزب الله وإسرائيل. استهل الكاتبان Murad Sadigzade و Sabina Ismailova نصهما بالقول أن شبح "الحرب الدموية المرعبة" يجول في العالم، متخذاً في كل يوم ملامح ملموسة. وتدق وسائل الإعلام العالمية والمجتمع الدولي ناقوس الخطر بشأن بداية كارثة على نطاق عالمي، ويتزايد ذكر "هرمجدون النووية" الوشيكة في الحوارات العامة التي تجري خلف الكواليس. وترتبط هذه المشاعر والمخاوف بالتحول النشط في المشهد السياسي والاقتصادي العالمي. لقد أصبحت متقادمة منذ مدة طوية قواعد وآليات عمل النظام العالمي القديم، ولم يعد بوسعها مواجهة تحديات العصر الجديد وغير قادرة على حل المشاكل الحالية. العالم الحديث يتحفز للبروز، وسيتم تشكيل مبادئ ومؤسسات النظام العالمي الجديد، وستبدأ فترة جديدة من التطور السلمي. "وتطور التاريخ البشري ذاته يؤكد هذه الأطروحة". ويرى الكاتبان أن عملية تلاشي المبادئ القديمة للنظام العالمي تؤدي إلى حقيقة أن الصراعات القديمة تبدأ في "النزف"، وينتقل حل المشكلات المتأزمة التي لم يتم حلها من المجال الدبلوماسي إلى العسكري. 

رأى الكاتبان أن هذه المقدمة "الأرماجيدونية" كانت ضرورية للإنتقال إلى الحديث عن الوضع المتفجر في جنوب لبنان بين حزب الله وإسرائيل. وكما معظم النصوص السياسية الروسية بعد شن إسرائيل حربها على غزة، يستعرض الكاتبان تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ويريان اسباباً للتصعيد الجديد في الصراع. وفي طليعة هذه الأسباب يشيران إلى الحكومة الإسرائيلية المتطرفة التي وصلت إلى السلطة على خلفية الأزمة السياسية والإقتصادية والإنقسام الإسرائيلي. كما يشيران إلى عجز السلطة الفلسطينية وفسادها اللذين عززا موقع حماس لدى الفلسطينيين. كما يشيران إلى تقاعس الدول الكبرى عن حل القضية الفلسطينية، وإلى عمليات التطبيع بين دول عربية وإسرائيل. ويريان أن كل هذه العوامل جعلت دعوة حماس لاعتماد القوة في حل الصراع مع إسرائيل تجد صداها لدى الوطنيين الفلسطينيين المتشددين والمتدينيين المتطرفين والشباب.

يقول الكاتبان أن نتنياهو فشل في تحقيق نصر سريع و"مذهل"، لكنه رفع مستوى الإستقطاب في الرأي العام الإسرائيلي. وحماس لم تختف، وإن ضعفت، وهي القوة التي تعكس طموحات الفلسطينيين، والفكرة التي يستحيل إستئصالها طالما بقيت الأسباب الأساسية لشعبية الحركات الراديكالية في المقاومة الفلسطينية. وعلى العكس، سلوك السلطات الإسرائيلية أدى إلى مزيد من شيطنة صورة الدولة العبرية في نظر المجتمع الدولي. نتنياهو يدرك كل ذلك، ولذا يبحث عن فرص جديدة لحل مشكلاته، ويرى هذه الفرص في بؤر جديدة لعدم الإستقرار واستمرار الصراع. والصراع مع لبنان (حزب الله) يمكن أن يوحد الإسرائيليين ويمنح السلطات فرصة للصمود، لأن حماس لم تعد مناسبة لهذا الدور.

لا يشكك الكاتبان في حتمية الحرب الشاملة بين حزب الله وإسرائيل. والسؤال بالنسبة لهما ليس في وقوع الحرب، بل في ما ستنتهي إليه. ومخاوف الولايات المتحدة مبررة، فالصراع مع حزب الله سيكون أكثر صعوبة مما هو مع حماس. يستعرض الكاتبان تفاصيل قوة حزب الله وترسانته والخبرة القتالية التي اكتسبها في الحرب السورية، ويقولان بانه يمكن أن توقع قريباً إصطدام الجيش الإسرائيلي المنهك في حرب غزة مع عدو أكثر قوة من حماس. ويريان أن لهذا السبب زار وزير الدفاع الإسرائيلي واشنطن لطلب زيادة دعم واشنطن العسكري، حيث أن موارد إسرائيل ليست كافية. 

يتحدث الكاتبان عن سيناريو متفائل للحرب بين إسرائيل وحزب الله، وآخر متشائم. الأول يفترض عدم إنخراط إيران في الحرب التي يريانها طويلة وقد تلحق الضرر بالإقتصاد والنظام السياسي في إسرائيل. ويفترضان أن هذا سيوسع حركة الإحتجاجات في الشارع الإسرائيلي، وينضم إليها الحلفاء الغربيون، وهو ما سيفضي إلى نهاية نتنياهو السياسية وجلوسه على مقاعد المتهمين في المحكمة. 

السيناريو المتشائم يفترض إنخراط إيران في الصراع، مما سيدفع كل القوى في المنطقة إلى الإنخراط بدورها في هذا الصراع، وذلك لأن إيران سوف تستهدف كل المواقع الأميركية والغربية في المنطقة. ويرى الكاتبان أن الدول الكبرى وحدها قادرة على وقف هذه الحرب، لكن مستوى المجابهة بينها يحول دون ذلك. ولذا يريان أن الحرب بين إسرائيل وحزب الله "حتمية". 

صحيفة الإزفستيا المخضرمة نشرت في 25 المنصرم نصاً بعنوان "عشية الحرب: الأجانب يغادرون لبنان بأعداد كبيرة على خلفية تهديدات إسرائيل". نقلت الصحيفة عن المستشرق الروسي AndreyOntikov قوله بأن من الصعب معرفة كيف سيتصرف اللاعبون في المنطقة في حال إندلاع حرب شاملة بين حزب الله وإسرائيل. ويرى أنه لايمكن إستبعاد ما يسمى "تأثير الدومينو" وما إن كان سيحدث في حال انخراط الشيعة العراقيين وسوريا وإيران والسعودية في الحرب بين حزب اله وإسرائيل. ويقول أنه في حال تحقق السيناريو المتشائم، سينهار هيكل الأمن في الشرق الأوسط كله، وستندلع "حرب الجميع ضد الجميع". وحينها ستنخرط في الحرب دول الخليج والمشرق، ومن المحتمل أيضاً ان تنخرط دول تقع خارج هاتين المنطقتين. ويقول بأن إيران والقوى المتحالفة معها تمارس على إسرائيل ضغوطاً محسوبة، وفي الوقت نفسه يتم دائماً التحقق من مستوى هذه الجرعة من الضغوط. ويستنتج المستشرق أن تطور الأحداث في المنطقة يحدده موقف شخص واحد ـــ بنيامين نتنياهو. 

يرى المستشرق أن الأمر يتوقف على حجم الضغوط، وما إن كان نتنياهو سيجد نفسه محشوراً في زاوية داخل إسرائيل. عندها سيرتفع إحتمال وقوع حرب واسعة بين حزب الله وإسرائيل مجهولة العواقب على الشرق الأوسط ككل. 

كما تنقل الصحيفة عن الباحث الروسي في معهد للعلوم الإجتماعية تابع للأكاديمية الروسية Vasily Ostanin-Golovnya قوله بان لبنان بعد تفجير مرفأ بيروت يوجد على مسافة ملم واحد عن حافة الهاوية، حيث الفوضى ووضع "الدولة الفاشلة". ويرى أنه على الرغم من أن حزب الله هو نوع من الدولة داخل الدولة، إلا أن إسرائيل، إذا شنت عملية ضد هذا الحزب، ستضرب بطريقة أو بأخرى عمق الأراضي اللبنانية.

ويرى الباحث ان الجيش اللبناني، وعلى الرغم من ضعفه وفقره، سيجد نفسه مضطراً للإنخراط في الحرب طالما أن الجيش الإسرائيلي سيضرب عمق الأراضي اللبنانية. وحينها ستكون الحرب بين دولتين. ويؤكد أن تكرار سيناريو 1982 سيؤدي إلى كارثة بالنسبة للبنان، وحينها ستكف الدولة في لبنان عن الوجود، وستخاطر المنطقة بالإنزلاق  إلى صراع واسع النطاق يشمل عددًا من الدول.

*المصدر: المدن