لا يمكن اختصار المواجهات التي يخوضها حزب الله ضد الإسرائيليين، منذ 8 تشرين الأول إلى اليوم، باعتبارها مواجهة محدودة دفاعاً عن غزة، على الرغم من تمسك الحزب بمعادلة "جبهة المساندة".
صحيح أن هذه الجبهة تحولت إلى معركة استنزاف بين الطرفين، وصحيح أيضاً أن الإسرائيليين يسعون إلى تحقيق دمار كبير في القرى الجنوبية الأمامية، ويحاولون اغتيال أكبر قدر من قيادات وكوادر وعناصر الحزب. لكن في المقابل، نجح الحزب في تكريس معادلات جديدة يمكن القول إنها المرة الأولى التي تتكرس فيها. لا سيما أن لهذه الحرب أوجه متعددة. فهي حرب عسكرية وأمنية، نفسية وإعلامية، تكنولوجية، وسياسية.
للمرة الأولى
حرب عسكرية وأمنية، تتجلى من خلال تكريس معادلة التهجير مقابل التهجير، وخلق حزام أمني داخل إسرائيل. وهذا بحد ذاته تحول نوعي بخلاف ما كانت إسرائيل تكرسه تاريخياً لحزام أمني لها داخل الأراضي اللبنانية. كما فرض الحزب معادلة مطار مقابل مطارات، هدف استراتيجي مقابل أهداف استراتيجية، ونجح في تحويل نفسه إلى صاحب المبادرة في الضربات وهو الذي يحدد إيقاع المواجهات. وربما هذه المرة الأولى في تاريخ اسرائيل التي خسرت فيها مبدأ الحرب الاستباقية. إذ أن الحزب استبق أي انخراط إسرائيلي في الحرب على لبنان بعد طوفان الأقصى. كما أنها المرة الأولى التي تضطر فيها إسرائيل إلى خوض حرب دفاعية طويلة الأمد.
على إيقاع تكتيكات عسكرية
حرب نفسية وإعلامية، تبدأ في التصعيد المستمر في مواقف وقيادات الحزب، على إيقاع تكتيكات عسكرية في العمليات التي ينفذها. ومن نتائجها، سيطرة حزب الله على الإعلام الإسرائيلي، خصوصاً أن الإسرائيليين يصدقون أي كلام يصدر عن الحزب، في مقابل الفوضى السياسية والإعلامية التي تعيشها إسرائيل في التعاطي مع التعبير عن سياسة الحكومة أو الجيش.
وهذا يتكرس أكثر ما بعد نشر حزب الله لفيديوهات "هدهد" التي تظهره متوغلاً في العمق الإسرائيلي، رداً على النشاط المستمر لطيران الاستطلاع الإسرائيلي في الأجواء اللبنانية.
إنها أيضاً حرب تكنولوجية، أظهر فيها حزب الله قدرة استثنائية في امتلاك المعلومات الاستخبارية حول المواقع العسكرية والنقاط الحساسة والمواقع المستحدثة، بالإضافة إلى قدرته على اختراق الدفاعات الجوية الإسرائيلية والقبة الحديدية، وتمكنه من استهدافها، من دون إغفال قدرته على التصوير في العمق الإسرائيلي، لا سيما أن الحزب يمتلك قاعدة بيانات أبعد مما تم نشره في فيديو "الهدهد".
حرب سياسية
وهي كذلك حرب سياسية، يخوضها الحزب على جبهات متعددة. وقد نجح في إقناع كل الدول الساعية لوقف الحرب بأن جبهة لبنان مرتبطة بجبهة غزة، ولا يمكن الفصل بينهما. وقد نجح الحزب باستمالة الكثير من الدول التي تصنفه تنظيماً إرهابياً، فتأتي لتتفاوض معه حول لبنان وغزة أيضاً، وصولاً إلى مطالبة المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين من الحزب بالضغط على حماس للموافقة على اقتراح الصفقة.
سياسياً أيضاً، يتقاطع حزب الله وإيران مع الولايات المتحدة الأميركية على مبدأ رفض الحرب الشاملة، وعدم توسيع الجبهة إلى حرب مفتوحة قابلة لأن تكون حرباً إقليمية. هذا بحدّ ذاته يظهر فوز حزب الله بالحرب السياسية في مواجهة إسرائيل أو حكومة نتنياهو، التي تسعى إلى الحصول على دعم دولي وأميركي بالتحديد، لتمضي نحو التصعيد ضد الحزب في لبنان.
أما التطور الأهم فهو أن حزب الله نجح في فرض جبهة أوسع من جنوب لبنان، وقد ضمّت الجولان كله. وهو فشل لكل الخطط الإسرائيلية، لا سيما التي كانت تركز على إبعاد الإيرانيين وحزب الله عن الجولان لمسافة 80 كلم.
وهذا كرّس حزب الله قوة عسكرية نظامية توازي بقوتها أغلب جيوش المنطقة.
*المصدر: المدن