نتنياهو يحمل الشرارة لبرميل البارود: مؤشرات الحرب ترتفع مجدداً

لا يترك رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، لعبته في التسويف والابتزاز والالتفاف على كل ما تطرحه الدول المعنية لوقف إطلاق النار في غزة. انتظر نتنياهو اجتماعه مع وزير الخارجية الأميركي أنطوني بلينكن، ليعلن موافقته على ما أسماه "المقترح الأميركي الأخير" بشأن الاتفاق على إبرام الصفقة في غزة. انتظر نتنياهو إعلان حركة حماس موقفها الرافض لما تقدّم لها من مقترحات، وأبرزها الإصرار الإسرائيلي على البقاء في محور فيلادلفيا، ومعبر رفح، ومعبر نتساريم، ما يعني رفض الانسحاب من قطاع غزة. 
 

لعبة نتنياهو وشروطه

قبل اجتماعه ببلينكن تلقى نتنياهو اتهامات إسرائيلية، أبرزها من وزير دفاعه يوآف غالانت بأنه هو الذي يعرقل الاتفاق والصفقة، من خلال الشروط التي يفرضها. وكان الجيش الإسرائيلي مؤيداً لفكرة الانسحاب من محور فيلادلفيا. اختار نتنياهو الكلام مع بلينكن وفق صيغة أنه يوافق على المقترح، واختار الردّ على الإسرائيليين، سياسيين وعائلات الرهائن الذين اتهموه بأنه لا يريد الاتفاق، ليقول إنه يوافق على ما تقترحه واشنطن. أصبحت لعبة نتنياهو تمرير الوقت وابتزاز الإدارة الأميركية. 

اختارت حماس التوصيف الأدق في بيانها الجوابي على المقترحات. إذ وصفتها بأنها تلبي مطالب نتنياهو، خصوصاً ان الشروط التي يحاولها أن يفرضها هي تكريس لبقاء إسرائيل الأمني والعسكري في قطاع غزة، من فيلادلفيا إلى رفح ونتساريم. علماً أنها ليست المرّة الأولى التي ينقض فيها نتنياهو كل الاتفاقات أو مسارات التفاوض، ليعود الأميركيون ويستجيبون له فيتم تعديل وتغيير المقترحات. وهو ما حصل بخصوص مقترح الرئيس الأميركي جو بايدن الأساسي، والذي لا تزال حماس تعلن موافقتها عليه والتزامها به. 
 

مشروع عربي؟

ليست المرّة الأولى التي يضع فيها نتنياهو كل القرارات الصادرة عن مجلس الأمن، أو المساعي الدولية وراء ظهره ويمضي قدماً في مشروعه. فيما يبرز نقاش آخر على مستوى بعض الدول العربية، ولا سيما المعنية بالمفاوضات وبالوصول إلى وقف لإطلاق النار في غزة، أو إلى حلّ عادل للقضية الفلسطينية، حول إمكانية العمل على إنتاج موقف عربي موحد، يركّز على إعادة إحياء المبادرة العربية للسلام والتي أقرّت في قمّة بيروت عام 2002. على اعتبار أن هذا هو الظرف الذي يسمح في إعادة فرض هذا الموقف وإلزام القوى الدولية به. بمعنى آخر، أن لا تقتصر المساعي العربية مع بعض القوى الدولية على البحث في وقف إطلاق النار وإطلاق سراح الرهائن، إنما بتقديم مشروع كامل متكامل يناصر القضية الفلسطينية، ويتضمن خططاً حازمة تتعلق بإعادة إعمار غزة وبقاء مواطنيها على أراضيهم بالإضافة إلى حماية الضفة الغربية من الاعتداءات الإسرائيلية اليومية ومن عمليات الاستيطان. 

قد يكون هناك مواقف عربية بعيدة عن التماس مع القضية الفلسطينية. وقد يكون هناك من يريد الابتعاد بسبب ما تعتبره هيمنة الدور الإيراني ودعم إيران لبعض الفصائل أو حركات المقاومة.. لكن ذلك يمكنه -حسب البعض- أن يكون عنصراً محفزاً للدول العربية لاستعادة عروبة القضية الفلسطينية، وإعلائها على المستوى العربي، والذي لا بد أن ينطلق من إعادة ترتيب البيت الفلسطيني، وتحصين الفلسطينيين بموقف عربي واضح مجابه للموقف الغربي، الذي أعلن دعمه لإسرائيل والإسرائيليين في الدفاع عن أنفسهم. وبالتالي، لا بد للعرب من اتخاذ موقف واضح داعم للفلسطينيين في حقهم بالدفاع عن أنفسهم بمواجهة آلة القتل والتهجير. 
 

مؤشرات تشاؤم
مثل هذا الطرح لا بد له أن يكون في "سباق" بين إعادة القضية الفلسطينية لاهتمام العالم الغربي والعربي وإعلاء شأنها وجعلها أولوية عربية، وبين المسار الإسرائيلي الساعي للإجهاز على القضية وإنهائها. وما يُفترض أن يتحصّن عربياً هو عدم العودة إلى 6 تشرين الأول، أي صيغة غزة المحاصرة والمدمرة بعد هذه الحرب فيما الضفة متروكة. 

على وقع هذا النقاش والذي يبدو عقيماً، فإن كل المؤشرات تبدو متشائمة حيال تطورات الوضع. فعلى الرغم من كل المساعي لتخفيف حدة الصراع ومنع توسيعه، لا تزال المنطقة تقبع فوق برميل بارود، خصوصاً أن إيران وحزب الله أعطيا المجال لاستمرار المفاوضات لعلّها تنتج وقفاً لإطلاق النار. أما بحال فشلها وعدم تحقيقها المرتجى فلا بد من العودة إلى انتظار ردّ إيران والحزب، والذي سيستدعي التصعيد مجدداً.
في أثناء ذلك، يواصل الإسرائيلي حربه على غزة، ويمكن أن يسعى لتوسيعها باتجاه لبنان، بينما تنتقل إيران من لعبة التأثير المعنوي على المفاوضات، من خلال تهديدها بالردّ إلى اللعب في الميدان مباشرة مجدداً، من خلال حلفائها، وعبر تقديم المزيد من الدعم لهم.
إنها لعبة نتنياهو بجعل المنطقة برميل بارود. وهو وحده الذي يلعب بالفتيل ويحمل الشرارة.

*المصدر: المدن