مناورات بانتظار الحرب البعيدة

بعد حوالى الشهر على إغتيال فؤاد شكر، وجه حزب الله إلى إسرائيل الدفعة الأولى من "ردّه" الموعود على الإغتيال. وأعلن زعيم الحزب، أن الدفعة هذه تمت بمناسبة أربعين الحسين، لا بمناسبة شهر على إغتيال شكر. ويشاع أن إسرائيل لم تكن تتوقع توقيت رد الحزب بحسب الأجندة الكربلائية، بل كانت تتوقعه بمناسبة أربعين إغتيال شكر. وجاءت كلمة نصرالله لتوضح الكثير من تفاصيل رد الحزب، وتضاربت في الكثير مما ذكره مع السردية الإسرائيلية لعملية الرد.

الدفعة الأولى من حساب رد الحزب على إسرائيل، لم تُنهِ هلع الناس أمام المزيد من الموت والدمار والتهجير الذي ينتظرهم في حال توسع الحرب وخبروه منذ الخريف الماضي. بل أثارت لديهم المزيد من الخوف والقلق، والمزيد من الأسئلة في العالم. والجميع لم يربط توقيت الرد بأجندة كربلاء، بل ربطها بمسار مفاوضات إنهاء الحرب التي كانت لا تزال منعقدة في القاهرة، والتي أطنبت واشنطن بالكلام عن نتائجها الإيجابية. وذهب البعض إلى القول بأن حزب الله وإسرائيل كانا يقصفان مفاوضات القاهرة، وكل لحساباته الخاصة. وذهب البعض الآخر للقول بأن رد حزب الله  في ذروة تصلب نتينياهو حيال الضغوط الأميركية، أدى إلى  تحرير يدي الأخير في مجابهة هذه الضعوط.

موقع وكالة الأنباء الروسية Regnum نشر في 25 الجاري نصاً ناقش فيه الفرضية الأخيرة هذه. الموقع الذي يبدو أنه لم يكن قد اطلع بعد على كلمة نصرالله مساء يوم الرد نفسه، قال بأن حزب الله هاجم إسرائيل بالصواريخ والطائرات المسيرة، من دون انتظار طهران لتحدد ردها على إغتيال إسرائيل لعدد من كبار مسؤلي "محور المقاومة". وعلى الرغم من ذلك، لم يتلق حزب الله النقد من طهران الرسمية والآخرين من أذرعها. ويدفع هذا إلى الإعتقاد بأن الهجوم على الأراضي الإسرائيلية كان استفزازياً بطبيعته، وكان الهدف منه جر الإسرائيليين إلى الحرب في اتجاهات جديدة.

قال الموقع أن عملية حزب الله التي استمرت بضع ساعات، قدمتها المجموعة على أنها "تمهيد مدفعي" لعمليات أكثر جدية. ويعتبر ممثلو الحزب أنهم استطاعوا مفاجأة القيادة الإسرائيلية، وفضحوا مرة أخرى أسطورة إستحالة إختراق نظام الدفاع الجوي الإسرائيلي.

من جهتهم، يؤكد الإسرائيليون أنهم كانوا على علم مسبق بالعملية الوشيكة لحزب الله، وبالتالي تمكنوا من تعطيلها بشكل شبه كامل من خلال شن ضربات وقائية على الأراضي اللبنانية. ولهذه الأغراض، استخدم  الجيش الإسرائيلي أكثر من 100 طائرة - ربع أسطول طيرانه الحربي، حسب الموقع.

يكرر الموقع السردية الإسرائيلية، ثم يقول بأن كلاً من الطرفين يصور نفسه منتصراً. فحزب الله يعتبر أنه يستحق "النصر بالنقاط"، وذلك لأنه تمكن من تنفيذ ضرباته للأراضي الإسرائيلية في ظروف "الخيانة الداخلية" التي أطاحت تأثير المفاجأة، وحتى بإصابة أهداف. ومن بيان آخر للحزب، تُروّج أطروحة "الهدف الخاص" الذي من أجله بدأت هذه المغامرة. وتوقع الموقع أن يرفع نصرالله الغطاء قليلاً عن هذا السر في كلمته المعتادة (لم يكن الموقع على اطلاع على الكلمة) بعد كل حدث مماثل.

إسرائيل بدورها، تتحدث عن نجاح التصدي لـ"عدوان عملاء إيران". وتركز بشكل خاص على حقيقة أنه، على عكس حادثة أبريل/نيسان، تم صد الهجوم بلا مشاركة شركاء أجانب، ومن قبل الجيش الإسرائيلي حصراً. ويرى الموقع أن تصريحات الأركان العامة الإسرائيلية تتضمن "بعض المكر". ويشير إلى وصول قائد الأركان الموحدة للجيوش الأميركية، تشارلز براون، إلى الشرق الأوسط، قبل أيام من تبادل الضربات مع حزب الله، ويفترض أن براون، إضافة إلى مشاركته في تنسيق العمليات الإسرائيلية، نسق أيضاً مع حلفاء آخرين لواشنطن في المنطقة.

يستطرد الموقع في الحديث عن المتوقع لاحقاً، ويقول أن سؤال "ماذا بعد" يبقى معلقاً في الهواء. ويقول أن أحداً لم يعر أي إهتمام لردّ فعل السلطات اللبنانية على ما حدث. ويقول أن التحالف المعادي لإيران منهمك الآن في محاولة معرفة ما إن كان حزب الله عمل بصورة مستقلة عن إيران، أم أنه لعب دور الطُعم. وإذا ما تأكدت هذه المخاوف، ولو بصورة غير مباشرة، فمن المستبعد أن تُقدم إسرائيل على صِدام مباشر مع حزب الله، لكنها سترفع وتيرة عملياتها في القضاء على قادة الحزب، لا سيما القيادات العليا.

موقع وكالة الأنباء الروسية الأخرى iarex نشر في 26 الجاري، نصاً رأى فيه أن الحرب في المنطقة بعيدة، وما تقوم به أطراف الحرب الآن، مناورات بانتظارها. نقل الموقع عن مستشار الأمن القومي الأميركي، جيك سوليفنن أمله في ألا يخرج الوضع مع حزب الله عن السيطرة، وألا يؤدي إلى التصعيد، مما يوحي بأن تصرفات حزب الله ما زالت تحت السيطرة. وذكرت مواقع الإعلام العربية، أن الرئيس السوري "فرض عددًا من القيود على أنشطة حزب الله والجماعات الشيعية الأخرى في البلاد". وأشار الموقع إلى تحذير الرئيس المصري لقائد الأركان الموحدة للجيوش الأميركية، من أن الوضع الحالي في المنطقة يتطلب وقفة حاسمة من المجتمع الدولي وجميع الأطراف الفاعلة لبذل كافة الجهود وزيادة الضغوط لنزع فتيل التفجير.

يشير الموقع إلى مغادرة وفدي حماس وإسرائيل، جلسات المفاوضات الأخيرة في القاهرة للوسطاء بشأن وقف إطلاق النار في غزة، لكن هذا لا يعني، برأيه، أن المفاوضات قد إنتهت. ويذكّر بتصريح وزير الخارجية الإيراني الجديد، عباس عراقجي، عن السياسة الخارجية الإيرانية التي طرأت عليها "تعديلات جدية". وإذ لم يتطرق الوزير بكلمة عن تحسن العلاقات مع الولايات المتحدة، أكد على أن العلاقات مع الإتحاد الأوروبي قد تشكل أولوية لإيران، في حال تخلى الإتحاد عن "موقفه العدائي" تجاهها. ولفت الموقع إلى أن وزيري خارجية فرنسا وألمانيا كانا أول من هنأ الوزير الإيراني بمنصبه الجديد، وأن هذا يشير بشكل غير مباشر إلى أن الإتحاد الأوروبي لا يستبعد التعاون مع الإدارة الإيرانية الجديدة ضمن "شروط محددة". وينقل عن تصريح مسؤل رفيع المستوى في البنتاغون، لوكالة فرانس برس، أن الولايات المتحدة تتبعت الضربات الصاروخية التي تبادلها حزب الله مع إسرائيل من دون أن "تتدخل فيها بشكل مباشر".

ينقل الموقع عن الباحثة في معهد الشرق الأوسط في واشنطن، رنده سليم، التي تنطلق من كل ما ذُكر من وقائع، لتقول بأن تبادل الضربات والتصريحات بين إسرائيل وحزب الله  "ما زال ضمن قواعد الاشتباك، ومن غير المرجح أن يؤدي إلى حرب شاملة في هذه المرحلة".

كما ينقل عن خبير المعهد الإسرائيلي لأبحاث الأمن القومي Danny Citrinovich قوله بأن حزب الله وإسرائيل ربما كانا يقصفان مفاوضات الوسطاء في القاهرة للتوصل إلى "هدنة" في قطاع غزة. ويشير إلى إستنتاج "مهم" خلصت ليه صحيفة "البيان" الإماراتية، بأن لدى نتنياهو والسنوار دوافع لمواصلة الحرب. منتقدو نتنياهو يقولون بأنه يريد تمديد أمد الحرب لإنقاذ حياته السياسية. أما يحيى السنوار فحياته معرضة للخطر في حال خروجه إلى المسرح السياسي بعد إنتهاء الحرب.

وعن إمكانية إنضمام إيران إلى حزب الله في حال إستمرار التصعيد مع إسرائيل، يقول الموقع أن طهران لم ترد حتى الآن على إغتيال هنية على يد إسرائيل، في حين أن حزب الله بادر إلى الرد على إغتيال فؤاد شكر في بيروت. وينقل عن خبراء عرب تأكيدهم أن إيران تنتظر نهاية المفاوضات بشأن الهدنة، وهي على تواصل مع الولايات المتحدة. ويرى أن إيران في ظل هذا الوضع، تخاطر بخسارة تأثيرها على حزب الله. ويستنتج من ذلك أن الحرب في الشرق الأوسط ما زالت بعيدة، وما يجري الآن هو مناورات ليس إلا.

*المصدر: المدن