في تاريخ الفن، قليلون هم الذين يجرؤون على صفع الحظ في وجهه والرحيل بينما لا يزال التصفيق يملأ القاعات. لكن بريجيت باردو، الأيقونة التي اختصرت أنوثة السينما الفرنسية في القرن العشرين، لم تكن مجرد ممثلة عادية، بل كانت متمردة بالفطرة، اختارت أن تكتب فصلها الأخير بعيداً عن صخب البلاتوهات.
فقد بدأت الحكاية باردو طريقاً غير عادي، ففي سنٍّ لم يتجاوز الـ 15 عاماً فقط، خطفت الأنظار بملامحها الساحرة لتبدأ حياتها المهنية كعارضة أزياء. ولم يمضِ وقت طويل حتى تصدرت غلاف مجلة "Elle" ذائعة الصيت، لتعلن تلك اللحظة عن ميلاد أسطورة ستغير وجه السينما العالمية إلى الأبد.
على مدار سنوات تألقها، شاركت باردو في نحو 50 فيلماً، صنعت من خلالها مجداً سينمائياً جعلها رمزاً لفرنسا في كل القارات. كانت تعيش في ذروة نجاحها، والمنتجون يتسابقون للظفر بطلتها، والجمهور يلاحق أخبارها في كل مكان. لكن خلف هذا البريق، كان هناك قرارٌ يطبخ على نار هادئة.
في أوائل السبعينات، وبينما كان العالم ينتظر المزيد من إبداعاتها، اتخذت باردو قراراً وُصف بالصادم. لقد قررت اعتزال التمثيل نهائياً، والتخلي عن الشهرة، وترك الأضواء خلف ظهرها دون رجعة. لم يكن اعتزالها بسبب خفوت نجمها، بل كان هروباً اختيارياً نحو عالمٍ وجدته أكثر صدقاً
فقد كشفت الصور والوقائع أن الدافع وراء هذا التحول الجذري كان الدفاع عن الحيوانات. تركت باردو عالم السينما الساحر لتكرس ما تبقى من حياتها لحماية الكائنات الضعيفة. لقد استبدلت السجادة الحمراء ببيوت الإيواء، والوفاء المزيف تحت الأضواء بوفاء حقيقي وجدته في أعين الحيوانات التي دافعت عنها بشراسة.
فاليوم، لا تُذكر بريجيت باردو كأيقونة جمال فرنسية فحسب، بل تُذكر كالنجمة التي امتلكت الشجاعة لترك كل شيء من أجل مبدأ، واليوم هي أيقونة القرن التي علمت العالم أن الإنسانية الحقيقية تبدأ عندما ننظر بعين الرحمة لمن لا يستطيع الكلام.