كان المسيحيون على قاب قوسين أو أدنى في النصف الثاني من الثمانينات من إعلان الإنفصال في لبنان وفق صيغةٍ كانت ستنتج عن طاولة مفاوضات لحل الأزمة اللبنانية، ولكن ما خربط مسار المسيحيين هذا هو العماد ميشال عون الذي أتى حاملاً شعارات دغدغ بها عواطف المسيحيين لجهة قيام الدولة، فذهبت الأكثرية معه في هذا الإتجاه ولم يحقق للمسيحيين ما وعدهم به من دولة لا في العام 1988 ولا في العام 2016، ودار التاريخ دورة كاملة ليعود العونيون بتنظيمهم الجديد «التيار الوطني الحر» يلوحون بالطلاق أو الانفصال.
ومن حسنات تفاهم 6 شباط بين «حزب الله» و»التيار الوطني الحر» وفشل هذا التفاهم نتيجة الممارسات التي شكا منها «التيار»، أنه عاد فأحيا لدى الأكثرية الساحقة من المسيحيين الرغبة في تحقيق نوع من الانفصال ويمكن تسميته اللامركزية الموسّعة، وقد أدت ممارسات العماد عون سابقاً، وممارساته وممارسات «التيار» لاحقاً إلى تعطيل تحقيق هذا الهدف، علماً أنّ ذلك توافق مع ما كانت الوصاية السورية تقوم به من حفاظٍ على دولةٍ مركزيةٍ هشةٍ يحكمها الموالون للوصاية ويتصرفون بمواردها وعائداتها ومشاريعها وفق أهوائهم ومصالحهم.
لقد وصل المسيحيون في لبنان اليوم إلى لحظةٍ حاسمةٍ وهم يدركون أنّ التعايش مع أي سلاح غير شرعي أصبح أمراً مستحيلاً، وبما أنّ التخلي عن هذا السلاح من قبل أصحابه ليس وارداً فالأفضل للطرفين التفتيش عن صيغةٍ يعيش كل واحدٍ منهم فيها وفق ما يرغب، وليبقَ السلاح ومفاعيله حيث يريده الناس، ولتنتفِ هذه المفاعيل حيث يوجد لبنانيون لا يرغبون بهذا السلاح.
إنّ تعطيل تطبيق اتفاق الطائف وقيام الدولة على أساسه، أصاب المسيحيين بالضرر على الرغم من الانتقادات التي وجهها بعضهم إلى هذا الاتفاق تحت ستار أنّه انتزع صلاحيات رئاسة الجمهورية، وقد تناسى هؤلاء أنّ الطائف أعطى المسيحيين نصف الدولة مهما كان عددهم، وقد حاول أنصار الأكثرية العددية الالتفاف على ما أعطاه الطائف من خلال المناداة زوراً بقيام الدولة المدنية وهدفهم من ذلك هو تمكين طائفةٍ واحدةٍ من السيطرة على غالبية مواقع الحكم في لبنان.
هؤلاء الساعون للسيطرة وبعدما فشلوا في مناورتهم لما يعرف بالدولة المدنية وإلغاء الطائفية السياسية، لن يكون بمقدورهم حالياً أن يطرحوا تغييراً للنظام بشكل يسيطرون فيه عملياً على رأس الهرم، فأي طرح من هذا النوع سيقابله المسيحيون بتكريس صيغةٍ جديدةٍ للحكم قائمة على الإنفصال فهل ترضى قوى الأمر الواقع بهذه الصيغة، أم تتراجع عن مطالبتها بالمزيد من المواقع في الدولة؟
في الحالتين يبدو أنّ المهم هو ميزان الربح والخسارة في الأمور المالية واستمرار الإستفادة من عائدات الدولة، فإن كان الانفصال يحقق لقوى الأمر الواقع تلك الإستفادة ساروا به قبل المسيحيين، وإن لم يكن كذلك سيرفضونه ولو طال الخراب.