أشار مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان، في رسالةٍ بمناسبة بداية رأس السنة الهجرية الجديدة، إلى أنّه لَم يشهد لبنان "إِلا في النَّادِرِ هذه المَلَفَّاتِ المُتَشَابِكَة وَالمُعَقَّدَة ، في الأَمْنِ الوَطَنِيّ ، وفي الاقْتِصَاد ، وفي العَمَلِ السِّيَاسِيّ ، وفي عَلاقَاتِهِ العَرَبِيةِ وَالدَّولِيَّة"، لافِتاً إلى أن "هذا التَّعَقُّدُ في المَلَفَّات ، لهُ ثَلاثُ عِلَل: إِصْرَارُ كُلِّ فَرِيقٍ على جَذْبِ المِيَاهِ إلى طَاحُونِهِ وَحْدَه ، وفي الصَّغِيرَةِ قَبلَ الكبيرة، ولذلك، تَتَكَاثَرُ التَّجَاذُبَاتُ وَالنِّزَاعَاتُ إلى مَا لا نِهَايَة".
كما شدّد دريان على أنّه "إذا كان هذا الأمرُ خَطَأً في أَسالِيبِ مُوَاجَهةِ الاخْتِلافَات، فإنَّ العِلَّةَ الأُخْرَى أَكْبَرُ وَأَفْجَع، وَتَتَمَثَّلُ في اسْتِمْرَارِ الخِلافَاتِ بِشَأْنِ الثَّوَابِتِ التي لا يَجُوزُ أَنْ تَسْتَمِرّ، لأَنَّهَا تُشَكِّلُ ضَرباً لِلأُسُسِ التي يَقُومُ عليها العَيشُ المُشتَرَك ، وَتَقُومُ عليها الحَيَاةُ الوَطَنِيَّةُ الاجْتِمَاعِيَّةُ وَالسِّيَاسِيَّة ".
من جهةٍ ثانية، لفت دريان إلى أنّه "فَوقَ أَزَمَاتِنا الوَطَنِيَّةِ المُتَكاثِرة، نَعيشُ في هَذِه الأيامِ أَزْمَةً جديدةً، هي الأَسْوَأُ وَقْعاً، وهي اِنْتِخَابُ رئيسٍ جديدٍ للجمهوريَّة، وهذهِ الأزْمَةُ بِالذَّات، ما كانَ لها دَاعٍ، فالجَمِيعُ يقولونَ بِالطَّائفِ والدُّستور، والدُّستورُ حَدَّدَ مَسَاراً واضِحاً لانْتِخاباتِ الرَّئيس ، فلماذا لا نَتَّبِعُ هذا المَسارَ الوَاضِح، دُونَمَا اتِّهاماتٍ مُتَبَادَلَة، وتَعْطِيلِ ما لا يَصِحُّ تَعْطِيلُه؟"، مؤكداً أنّ "ما يَجرِي اليومَ على السَّاحَةِ اللبنانيةِ مِن شُغورٍ رِئاسِيٍّ ، وتصريفِ أعمالٍ في الحكومةِ بِالحُدُودِ الضَّيِّقَةِ ، وتعطيلِ انعقادِ جَلَسَاتٍ تشرِيعِيَّةٍ في المَجلِسِ النِّيَابِيّ ، هُوَ مَعِيبٌ بِحَقِّ كُلِّ مَن يُعَرقِلُ إنجازِ هذِه الاستِحقاقَاتِ التي لا يَنْهَضُ البلدُ مِن دُونِ تَحقِيقِها"، ومشيراً إلى أنه "إذا لم نُسارِعْ إلى تَدَارُكٍ هذا الأًمرٍ بٍتنفِيذِ الاستحقاق فإنَّ الشَّرخَ والتفَتُّتَ والانهيارَ والفَوضَى بشتَّى أَنواعِها سَتَزداد ، كفانا تذاكياً ومُزايدَاتٍ على بَعضِنَا بعضًا، فعلى الجميعِ التَّنازُلُ لِمَصلحَةِ الوَطنِ ، وإلا فنحن ذاهبون إلى الظَّلام، حيث تَنتَظِرُنا الويلاتُ والمَصائبُ التي سَتَقَعُ على الوَطَنِ وعلى جَميعِ اللبنانيين".
وفي سياقٍ متّصل، أكّد المفتي دريان أنّ "السُّكُوتَ عَنْ مَطالِبِ اللبنانيينَ المُحِقَّةَ جريمةٌ لا تُغتَفَرُ، وتحقيقُها مُطالَبٌ بهِ كُلُّ مَسؤُولٍ في هذه الدَّولةِ أياً كان مَوقِعُه"، معتبراً أن "صبر المواطن قد نَفد... ولا نُرِيدُ بَعدَ اليومِ أقوالاً وخطاباتٍ وَمَواقِفَ وتَصَارِيحَ رَنَّانَةٍ لا تُسمِنُ ولا تُغنِي مِنْ جُوع، بل نريدُ أفعالاً تَنتَشِلُ المُواطِنِينَ مِمَّا هُمْ فيه"، ومؤكداً أنّه "سنبقى نُطالِبُ بِهذهِ الحُقوقِ وَنَدعُو دائماً إلى تحقيقِها، وَنَقِفُ في وَجهِ الظُّلمِ الذي يُلاحِقُ النَّاسَ في حياتِهِم، فَمَا ضَاعَ حَقٌ وَرَاءَهُ مُطالِبٌ، فَالمُطالَبَةُ بِالحقوقِ أمرٌ مَشرُوعٌ كَفَلَهُ الدُّستورُ" .
كما توجّه دريان لِكُلِّ النُّوَّاب، وَلِنُّوَّابِ المسلمينَ بِالذَّات، قائلاً إنّه "أنتُمْ تَشْكُونَ مِنْ قِلَّةِ الوَزْنِ وَالتَّوَازُن، وما ذلِكَ إلا لِلتَّشَرْذُمِ الذي نَالَ مِنْ وَحْدَةِ الصَّفّ، وَمِنَ القُدْرَةِ على التَّضَامُنِ وَرِعايَةِ المَصَالِح"، لافتاً إلى أنّه "لا بُدَّ مِنْ أنْ تَجْتَمِعوا ليسَ لِحِفْظِ حُقوقِكُمْ فقط، بل وَلِتَحْقِيقِ المَصْلَحَةِ الوَطَنِيَّة، في أنْ يَكونَ لِلُبنانَ رئيس، تُمَكِّنُهُ الكَفاءَةُ وَالخِبْرَةُ والنَّزَاهَةُ مِنْ أنْ يَتَقَدَّمَ الصُّفوفَ، لِحَلِّ المُشْكِلاتِ المُتَرَاكِمة. إنْ لم يَكُنْ لكُمْ بِسَبَبِ وَحْدَتِكُمْ وَزْنٌ في انْتِخابِ الرَّئيس العتيد، فلنْ يكونَ لكُمْ وَزْنٌ في الحُكومةِ ورَئيسِها".
وشدّد دريان على أنّه "عَلينا أنْ نُهاجِرَ مِنَ التَّخَاذُلِ إلى التَّنَاصُر، وَمِنَ التَّفْرِقةِ إلى الوَحْدَة، وَمِنَ المَصالِحِ الخَاصَّةِ إلى المَصْلَحَةِ العَامَّة، لافتاً إلى أن "عَهْدُنا في وَطَنِنَا الحاليّ ، هُوَ وَثيقَةُ الوِفَاقِ الوَطَنِيّ، والدُّستُور".