عقد البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي مؤتمرا صحفياً في - بيت مارون، دار الابرشية المارونية في ستراثفيلد، في سيدني تحدث فيه عن زيارته إلى أستراليا والأوضاع في لبنان .
وتحدث البطريرك الراعي، فقال: "أشكرك سيدنا على كلمتك اللطيفة النابعة كالمعتاد من قلبك حيث لا فاصل بين قلبك وعقلك. ونحن سعداء ان نلتقي اليوم مع وسائل الاعلام ونحيّي رسالتهم وعملهم حيث يخدمون الحقيقة، لان الاعلام هو في خدمة الرأي العام".
ورداً على سؤال عن أمكانية تأسيس مركز بطريركي في دول الانتشار، قال: "حكي أكثر من مرة في هذا الموضوع على أيام الراحلين البطريرك خريش والبطريرك صفير على أن يكون المركز في واشنطن، ثم صرف النظر عن الفكرة ، أنا شخصياً مع الفكرة لكن علينا أن نفكر كيف ستكون وكيف سيكون عملها وكيف تنسق بين الانتشار ولبنان".
ورداً على سؤال عن رسائله المستمرة و"العالية السقف إلى السياسيين ولماذا لا يسمعها المعنيون"، قال: "لا أحد أطرش، الكل يسمع ويطلب كلمتنا حرفياً من السياسيين إلى سفراء الدول والأكيد أن اللبنانيين يسمعون، ونحن لن نسكت لأن الكلمة لا تموت وستفعل فعلها في يوم من الأيام. نحن نتحدث عن المبادئ ولا ندخل في زواريب السياسة ونخاطب ضمير رجال السياسة فنحن لا نسكت على الظلم".
وبالنسبة إلى انتخابات رئاسة الجمهورية، أكد الراعي أنه "لا يوجد أي مبرر ألا يكونوا قد انتخبوا رئيسا للجمهورية منذ أيلول الماضي عملاً بالماده ٧٣ من الدستور"، مجدداً دعوته للمجلس النيابي إلى "عقد جلسات متتالية وفقاً للدستور ومن دون تعطيل النصاب لانتخاب رئيس للجمهورية"، وقال: "نحن في استراليا اليوم، حيث القانون والدستور فوق كل اعتبار وفوق الجميع، أما عندنا فيتباهون بمخالفة الدستور. لذلك لا يوجد أي مبرر أن لا ينتخب رئيس للجمهورية منذ شهر أيلول الماضي إذا طبقنا الدستور".
وعن زيارته إلى الجبل، قال: "الزيارة للجبل هي متابعة للمصالحة التي جرت سنة ٢٠٠١ وهي مصالحة تاريخية ونهائية، وفي زيارتنا الأخيرة ركزنا على أمر أساسي وهو إذا لم توجد فرص للعمل فالمسيحيون لا يستطيعون العودة، ويجب أن يكون هناك المزيد من الثقة والتطور في المصالحة وتحقيقها عملياً عن طريق فرص العمل والثقة، لأن المصالحة هي مصالحة نهائية، والصداقة التي نعيشها تعزز الثقة. وعلينا أن نعزز الصداقات لكي لا يأتي يوم ويخرب كل شيء لسبب أو لاخر. وهذه هي زيارتي الثالثة، وهي كانت مع شيخ العقل الجديد وكذلك الوقفة في بعقلين وكان موضوعها ثمار المصالحة وما يرجى منها، واللقاء في المختارة مع وليد بك الذي جمع كالعادة كل الشخصيات الدرزية والمسيحية. وفي الخلاصة كانت الزيارة جيدة جداً".
ورداً على سؤال عن طرح اسماء للرئاسة، أكد الراعي "أن بكركي لا تقول "فلان" أو "فلان"، فهذا ضد الديموقراطية وضد عمل المجلس النيابي. وبعد أن انسحب المرشح ميشال معوض من السباق إثر جلسات عدة، انسحب لخير لبنان ولصالح انتخاب رئيس، ونحن نقدر موقفه. وفي جلسة حزيران نال سليمان فرنجية ٥١ صوتاً وجهاد ازعور ٥٩ صوتاً ثم أوقف رئيس المجلس الجلسة وما زالت واقفة".
وسأل البطريرك الماروني: "ما المطلوب؟"، وقال: "يتحدثون في الكواليس عن ضرورة التفتيش عن مرشح ثالث، ونحن نقول لا، من أجل كرامة المرشحين فرنجية وأزعور واحتراماً لمن رشحهم يجب اكمال الانتخابات في دورات متتالية ويفوز من يفوز. وإذا لم يحقق احد الفوز بالأكثرية نتيجة تضييع الأصوات، حينها تفضلوا إلى الحوار الذي تتحدثون عنه الآن وتشاوروا حول شخصية جديدة".
وأوضح أنه قال للموفد الفرنسي: "لماذا لا تعقد الجلسات حسب الدستور، ولكن لا أحد يسمع والبلد يموت ولا أحد يسأل. نحن أمام ديكتاتوريات تعبث بالبلد وبالشعب".
وعن الحوار الذي دعا اليه رئيس مجلس النواب نبيه بري، قال الراعي: "هناك لغط حول ما قلناه، وأنا دائما اقول وقبل دعوة الرئيس بري أن الحوار هو في التصويت في المجلس النيابي. الحوار هو الانتخاب، والتوافق هو الانتخاب. وأنا لم اقل انني مع الحوار، بل قلت إذا تم الحوار بعد موافقة الجميع عليه، والمجلس النيابي اليوم في حالة انتخابية، وفي الانتخاب يتحاورون".
وبالنسبة لتعليم الطلاب وادخال امور ضد تعاليم الكنيسة في المواد التعليمية، قال: "لقد جلب لنا وزير التربية مناهج أحلناها للامانة العامة للمدارس الكاثوليكية للنظر فيها، إذا كان فيها شيء من هذه المواد، وهذا الموضوع في عهدتهم ولم نناقشه مع الرئيس ميقاتي، وانشأنا لجنة من المطارنة لدراسة الموضوع من جميع النواحي وسنصدر وثيقة رسمية لكل أبناء كنيستنا حول هذه المواضيع".
ودعا "الأهل الى السهر على تربية اولادهم عن قرب لكي نحمي اجيالنا من الافات الجديدة".
وعن خطر النزوح السوري على لبنان وكيانه وهويته، قال: "عليكم إقناع السلطات المحلية في الدول التي تتواجد فيها جاليات لبنانية بضرورة السعي إلى معالجة هذه القضية، لأن لبنان يتحمل وزر أعباء هائلة على المستويات كافة جراء وجود مليونين من النازحين السوريين أي ما يعادل نصف سكان لبنان. هذا النزوح يمثل أكبر خطر اقتصادي وأمني وثقافي وسياسي وديموغرافي، بينما المجتمع الدولي يرفض الإصغاء الى مطالب لبنان ويردد نفس الكلام".
وقال: "انه موقف سياسي يراد منه اطاحة النظام في سوريا، ولذلك يرفض الإتحاد الأوروبي مساعدة النازح السوري داخل سوريا ويصر على مساعدته في لبنان، ما جعل لبنان وحده يدفع الثمن".
أضاف: "يتعين علينا إقناع المجتمع الدولي بأن لبنان لا يقدر ان يستمر ويتحمل هذه العبء الكبير. وليست هذه هي الطريقة التي يتم بها مكافأة لبنان لإستقباله النازحين كعمل انساني".
ورداً على سؤال عن مصير لبنان في ظل هذه الأزمات، أجاب الراعي: "وطننا لبنان هو قيمة حضارية وهو رسالة ونموذج للشرق والغرب ومسؤوليتنا المحافظة عليه مهما كلف الأمر. وأنا أعتقد انه بفضل اللبنانيين في الإنتشار باتت الدول تحترم لبنان".
وتابع: "نحن نمر في مرحلة صعبة للغاية، ولكنها ستنتهي عاجلاً ام آجلاً. يجب ان نحافظ على تضامننا وتراثنا وارثنا والوحدة الداخلية التي تجمعنا، لأن ما أضعفنا جاء نتيجة التشرذمات الداخلية، ليس فقط على المستوى المسيحي وانما على مستوى كل لبنان الذي جعلوه مجموعة طوائف تتنافس على الحصص. هذا ليس لبنان الحقيقي. لبنان الحقيقي هو الذي رسم سياسته البطريرك الحويك في مؤتمر فرساي في باريس سنة 1920 ليكون الإنتماء الى لبنان عبر المواطنة لا عبر الدين. فأنا لبناني ثم مسيحي ماروني وليس العكس. ولبنان دولة تحترم الله، والبرلمان اللبناني لا يشّرع أي شيء يناقض الشريعة الألهية. لبنان يحافظ على الجميع ويوفر الحقوق للجميع مثل الفسيفساء، تعددية في الوحدة وانفتاح على كل الثقافات والدول وإقرار بكل الحريات التي تنص عليها شرعة حقوق الإنسان. ولبنان البلد الوحيد في الدول العربية الذي وقّع شرعة حقوق الإنسان. لبنان أرض الحريات وليس الفوضى".
وتناول البطريرك الراعي اتفاق الطائف، فقال: "مشكلتنا ان اتفاق الطائف لم يطبق كما يجب لا بالنص ولا بالروح. وهكذا أصبحنا من دون سلطة قادرة ان تحسم لا رئاسة الجمهورية ولا رئيس الحكومة، وبات القرار للحكومة مجتمعة ولذلك عمت الفوضى. المطلوب الجلوس والبحث في جوهر المشكلة، ولهذا أدعو الى عقد مؤتمر دولي خاص بلبنان ليطبق الطائف وتنفذ قرارات مجلس الأمن 1559 و1680 و1701 التي تختص بسيادة لبنان وترتبط بالطائف. والعمل ايضاً على حل قضية النزوح السوري وتثبيت هوية لبنان الأساسية بالحياد الإيجابي الذي يرسّخ لبنان كأرض تلاقي الثقافات والحضارات".
وعن الفدرالية التي ينادي بها البعض، قال: "أن فلسفة لبنان هي ان نعيش معاً كمسيحيين ومسلمين، وعلينا ان نكون واقعيين إذ لا يجوز عند كل صعوبة أن تطرح الفدرالية كحل بديل. اتفاق الطائف ينص على اللامركزية الإدارية، فلنطبقها. من قال أننا لا نستطيع العيش معاً، لا بل بالعكس أن انفصالنا عن بعضنا البعض كمسيحيين ومسلمين سيؤدي إلى انهيار لبنان. نحن بلد متنوع ولكن بوحدة. لنبدأ بتطبيق اللامركزية الإدارية التي تلزم الجميع بدفع الضرائب والرسوم بشكل منصف".
وفي الختام، دعا البطريرك الراعي السياسيين في لبنان الى "التروي والتعقل والتفكير بمصلحة لبنان ككل"، مناشداً "المنتشرين اتخاذ المواقف الرافضة لتشرذم لبنان".