عقد المجلس المذهبي لطائفة الموحدين الدروز اجتماعاً موسعاً، في دار الطائفة في بيروت اليوم، حضره شيخ العقل للطائفة الشيخ الدكتور سامي أبي المنى، الرئيس السابق للحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط، رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب تيمور جنبلاط ووزراء ونواب وأعضاء المجلس المذهبي وفاعليات وشخصيات درزية عدة.
ولفت جنبلاط في تصريح، إلى أنَّنا " جتمعنا في هذه الدار الكريمة وتشاورنا حول شتّى الأمور الداخلية التي تتعلّق بطائفة الموحدين الدروز والبلاد"، معتبراً أنَّ "الجلسة كانت مفيدة، ولا بدّ من تكرار مثل هذه الجلسات".
وقال جنبلاط: "تطرّقنا إلى الأوضاع في جبل العرب، وأكّدنا تأييد الحراك السلمي وتفادي الدخول في أيّ صراعات داخلية أو غير داخلية".
بدوره قالَ شيخ العقل: "يسرنا أن نلتقي بكم في هذا الاجتماع الاستثنائي، في إطار الهيئة العامة للمجلس المذهبي، وفي رحاب دار الطائفة الحاضنة للجميع، والتي نأمل أن تبقى داراً للجمع والتلاقي والتفاعل الإيجابي بين أبناء الطائفة، وبينهم وبين شركائهم اللبنانيين جميعاً، من أجل مصلحة الطائفة والوطن".
أضاف: "إننا إذ نؤكد أهمية هذا اللقاء، في ظل ما نشهده في بلدنا والجوار وفي المنطقة بأسرها والعالم من تغيرات وتجاذبات في أكثر من قضية وأكثر من بلد، وفي ظل ما نواجهه من هموم وتحديات اقتصادية وسياسية وثقافية واجتماعية ومعيشية، وحتى مناخية وبيئية، نرى أنَّ هناك مسؤولية محتمة علينا جميعاً، كقيادة سياسية ومشيخة روحية ومجلس مذهبي ومجتمع توحيدي وطائفة وطنية عربية إسلامية أصيلة ولاحمة، مسؤولية وواجباً بأن نتصدى لجملة مواضيع عامة لا يمكننا تجاهلها، ولا بد من بحثها ومعالجتها، تبصرا بالواقع واستدراكاً لما هو آت".
وتابع: "لن أتكلم طويلاً في الموضوع السياسي، فأنتم أدرى به، والواقع السياسي المأزوم على مرأى ومسمع من الجميع، لكن لا بد من الإعراب عن أسفنا لما آلت إليه الأمور السياسية في لبنان من تعقيد وتعنت وانسداد أفق وغياب للحوار وعجز عن التفاهم وإفشال لكل مساعي التسويات المطروحة والممكنة لسد الفراغ الرئاسي وتسيير عجلة الدولة ووقف الانهيار المالي. وفي الوقت نفسه، لا بد من تقدير الدور الوطني الوسطي المتوازن الذي تقومون به في مقدمة عقلاء هذه البلاد، حصراً للتجاذبات وسعياً لإنقاذ الوطن من الفراغ والفوضى وانهيار المؤسسات، على أمل أن يبادر جميع المسؤولين في الداخل إلى تغليب المصلحة الوطنية العليا وتسهيل سبل الحلول لتمهيد الطريق للتدخل الخارجي المطلوب".
أردف: "سأحاول أن أطرح بعض الأفكار تمهيداً لنقاش مجد ومفتوح حول الوضع الراهن، ورغبة في الاستماع إلى رأي وليد بك في الدرجة الأولى، وهو الأكثر إلماماً وحرصاً على مستويي الطائفة والوطن، بما لديه من تجارب ومن بعد نظر، وما يتحمله من مسؤوليات ويبذله من تضحيات ويوفره من تقديمات، وهو المعرض دائماً لعيون الحساد الداعشيين من كل اتجاه والمتربصين به وبمواقفه شراً، وهو الضنين بوطن التنوع والحوار، والساعي الدائم لصون المصالحة وترسيخ العيش الواحد في الجبل، كما في كل لبنان، والحريص على المؤسسات الدستورية والرسمية حرصه على مؤسسات الطائفة وعلى كل ما يسهم في نهضة الجبل والوطن، وعلى كل ما يحفظ كرامة العائلة المعروفية أينما وجدت".
وقال: "إننا إذ نرغب الاستماع إلى كلمة القيادة، وإلى حضرة الزملاء أصحاب المسؤولية والدراية، وإلى من يرغب من الإخوة الحاضرين الكرام، لمزيد من الاطلاع والتشاور وتصويب الأمور، فإننا نؤكد من هذا الموقع اهتمامنا بالموضوع الوطني أولاً قبل الموضوع الطائفي، كوننا وطنيين راسخين في ولائنا الوطني قبل أي ولاء آخر. كما نؤكد اهتمامنا المركز بموضوع الطائفة، كذلك من دون أي تردد أو خجل، باعتبارها طائفة أساسية في هذا الوطن وفي بلاد الشام، ضامنة للهوية العربية، ضاربة في عمق التاريخ والوجدان بأصالتها الممهورة ووطنيتها المشهورة وتضحياتها الكبيرة، فالموحدون الدروز ما كانوا يوماً سوى حماة الثغور والأوطان والمبادئ، ولم يعيشوا يوماً هاجساً كونهم أقلية عددية، بل كانوا دوما أكثرية مناضلة وأكثرية محافظة وأكثرية صادقة في انتمائها وتجذرها في الوطن".
أضاف: "لقد كان الموحدون الدروز على مر التاريخ الركن الأساسي في تثبيت الوحدة الوطنية في أوطانهم، ودعاة الحوار الأوائل، وصمام الأمان في مقاومة الاستعمار والطغيان، وإن كانوا مسالمين بطبيعتهم ولائذين في حمى عقيدتهم التوحيدية ومسلكهم العرفاني، لا يعتدون ولا يقبلون أي اعتداء، صادقين في إيمانهم وفي محبتهم وفي شراكتهم الاجتماعية والوطنية، لا طموح لهم سوى العيش بكرامة إنسانية وعزة وطنية، مؤكدين أنَّ الدين عامل للجمع وليس للفرقة، وأن العمل المشترك النابع من إرادة طيبة وكلمة طيبة هو الثمرة الطيبة لرسالة العيش معاً".
وتابع: "لكن الواقع الدرزي العام، أيها الأخوة، بات يوحي بالخشية على المستقبل في خضم ما نشهده من متغيرات ومخططات ومؤامرات، وهو ما يحثنا على واجب العمل المبرمج والممنهج في مجتمعنا للتصدي للتحديات، ولاحتضان العائلات الدرزية وتمكينها في مواجهة الصعوبات، ولترسيخ الثوابت التوحيدية والقيم الاجتماعية، والحفاظ على المبادئ والأسس الإيمانية والفكرية والأخلاقية، والتمسك بالجذور العربية الإسلامية للموحدين، وبالإرث اللبناني الوطني المشترك، وتنمية حس الانتماء والولاء للوطن، وتقدير تضحيات الآباء والأجداد الجسيمة المبذولة عبر التاريخ، والمشاركة الفاعلة ثقافياً وعملياً في حمل الرسالة التوحيدية ورسالة الحوار والسلام، ومواكبة التقدم الإنساني بوعي وانفتاح، واحترام التكامل بين القيادة السياسية والمجتمعين الديني والزمني، والتبصر معا بآفاق المستقبل، وتدارك المخاطر ومواجهة التحديات بحكمة وواقعية".
وقال: "إن موضوع صون الأسرة والقيم، نطرحه على سبيل المثال ومن باب الاهتمام، كونه يواجه تحديات ويتطلب منا العمل لبناء مؤسسات اجتماعية تعنى بالرعاية الأسرية والحد من التفكك العائلي، بالإضافة الى ضرورة تقوية المحاكم الدرزية ومساندتها وتوسيع إطارها، والعولمة الصارخة تدعونا إلى التمسك بالثوابت الروحية والتصدي لأي انحراف ولأي محاولة لزعزعة ركائز المجتمع الأخلاقية والاجتماعية، وذلك من خلال التربية والتثقيف والرعاية، لكي يكون المنع والردع بالمنطق العقلاني والإيماني والإنساني أولا، وقبل كل شيء".
أضاف: "إن موضوع الشباب والحد من هجرتهم وإفراغ القرى من أبنائها يتطلب أيضا خطة تواكب خطط الدولة المتعثرة أو تعوض عنها، للاستفادة من اختصاصات الشباب المتنوعة واستثمار طاقاتهم، إذ لا بد من إبداء الرأي والتشاور حول الأسباب المؤدية إلى أزمتي البطالة والهجرة، على المستوى الداخلي والمستوى الوطني العام، ولعلها أسباب مرتبطة بالواقع السياسي المتأزم باستمرار، وبعدم وجود خطة استراتيجية للاستثمار، وبقلة المبادرات الجريئة، وبعدم تشجع المغتربين على الاستثمار في وطنهم الأم، وبتأثير النزوح السوري إلى لبنان وسيطرة العمالة غير اللبنانية".
وتابع: "موضوع استثمار أراضي الأوقاف يتطلب تكوين مجموعة استثمارية مقتدرة من أبناء الطائفة المقيمين والمغتربين للبدء ببعض المشاريع الممكنة ضمن خطة متكاملة تلبي الحاجة الملحة للطائفة بالدرجة الأولى، وربما تساهم في تثبيت المصالحة وتثميرها إذا ما تمت بالشراكة الفعلية المنظمة مع شركائنا المسيحيين والمسلمين في الجبل".
وأردف: "موضوع تلبية الحاجات الاستشفائية والاجتماعية والتعليمية المتزايدة يتطلب منا تعميم ثقافة الزكاة والإحسان، وتنظيم الدعم المالي وبرامج التعاضد الاجتماعي والعلاقة مع الإغتراب، من خلال الجمعيات الدرزية ومعتمدي مشيخة العقل، لتأمين رعاية روحية ووطنية للمغتربين وعائلاتهم من جهة، ولإنشاء مؤسسات اغترابية داعمة لمؤسساتنا وعائلاتنا من جهة ثانية. وموضوع المطالبة بحقوق الطائفة من وظائف ومواقع أساسية في الدولة أمر يتطلب تضافر الجهود ورفع الصوت، في بلد ما زالت فيه حقوق الطوائف مكرسة، على أمل تجاوز هذا الفرز الطائفي في يوم من الأيام وإلغاء الامتيازات والمحاصصات، ونحن الأكثر قناعة بذلك".
وقال: "لعل الموضوع الأهم اليوم، هو موضوع الحراك المطلبي في السويداء، إذ هو موضوع أساسي نقاربه باعتبار أنَّ الموحدين الدروز عائلة توحيدية معروفية عربية واحدة، وأن هناك قرابة روحية ودموية وثقافية وتاريخية في ما بينهم، غير أنهم يعيشون في أوطان لها سيادتها واستقلالها وحدودها. وإذا كنا لسنا في وارد التخلي عن أهلنا هنا وهناك وهنالك، فهذا لا يعني أننا في وارد التدخل المباشر في شؤون أوطانهم التي يعيشون فيها، فهم أدرى بحالهم، ونحن قلنا منذ اليوم الأول للتحرك: إنه لا بد من التعاطي مع الأمور والقضايا بوعي وحكمة، وأكدنا مع أصحاب السماحة في الجبل الأشم أحقية المطالب الشعبية وضرورة احترام كرامة الجبل، إذ هو جبل العروبة والثورة ضد الاستعمار، وعنوان وحدة سوريا".
أضاف: "في المقابل، نبهنا إلى أهمية عدم خروج التحرك عن طابعه الوطني السلمي، وألا يكون فيه أي مجال للكلام المسيء والتهجم المقيت على أي من المرجعيات الروحية أو السياسية في الطائفة، فهذا أمر مستنكر إنَّ حصل، فالحرية المضبوطة بالوعي تتيح التعبير عن المطالب الواقعية والمشروعة التي أهملتها الدولة طويلا وعجزت عن تحقيقها أو توانت، ولكنها لا تبيح الاعتداء أو التطاول عبر وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها، وهو ما لا نعهده في مجتمعنا المعروفي المحافظ، والذي أكد، بما لا يقبل الشك، أن التحرك الشعبي المطلبي الراقي كان عنوانه منذ البداية وحدة الشعب ووحدة البلاد، وهو ما لمسناه وما أكدناه مع قيادة الجبل الروحية، من ضرورة التشديد على وحدة أبناء السويداء لتكون سبيلا للوحدة الوطنية، بعيدا من أي شعارات انفصالية دخيلة لم تكن يوما مطلب طائفتنا في أي مكان وزمان".
وتابع: "المسلمون الموحدون الدروز ليسوا خونة ولا متآمرين، ولن يكونوا على الإطلاق، وإن طالتهم بعض الاتهامات من بعض الأقلام المأجورة، فهذه لا قيمة لها ولا صحة ولا اعتبار أمام وقائع التاريخ".
وختم: "هذه بعض العناوين والأفكار التي أضعها بين أيديكم، وكلي أمل أننا قادرون على الإجابة والاستجابة، طالما أننا محظيون بقيادة حكيمة، شجاعة ومنفتحة، وبإمكانيات فردية واجتماعية مميزة، وبإرادة صلبة أثبتت قوتها في الملمات وقدرتها على مواجهة التحديات، وليعلم القاصي والداني أن الموحدين الدروز "لا يذلون لكسب المغانم ولا يرضخون لجائر ظالم". بالقيادة الحكيمة، وبالمواقف الوطنية الصافية، وبالوحدة الداخلية المصانة والتماسك الاجتماعي والتمسك بالإيمان والقيم، وبدعاء مشايخنا الأطهار وأخواتنا الطاهرات، سنكون، بعون الله، قلباً واحداً في مواجهة التحديات، والله يوفق من دعا ومن سعى ومن رعى، "هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون".
بعد ذلك، تمت مناقشة عدد من القضايا الداخلية والوطنية المطروحة.