مشهدٌ صادم وخسائر بآلاف الدولارات، جرّاء تحطيم وحرق المحال التجارية المجاورة لمبنى السفارة الأميركية في عوكر، بعد تجمّع عدد من المتظاهرين المندّدين بما اعتبروه انتهاكاً للإنسانية إثر القصف الإسرائيلي الذي استهدف مستشفى المعمداني في غزّة، فيما أقدم البعض الآخر على الاعتداء على مطاعم ماكدونالدز وبعض المقاهي، كما مبنى الجامعة الأميركية، بحجّة دعم الأخيرة لإسرائيل.
الاعتداء في غزة والذي أسفر عن سقوط مئات الضحايا من طاقم طبي، مرضى، وممن كانوا يلجأون إلى المستشفى، بغية البحث عن ملجأ يحميهم من الحرب المندلعة منذ أكثر من أسبوع بين الفصائل الفلسطينية والجيش الإسرائيلي، أججّ الوضع في البلدان العربية، إذ اندلعت التظاهرات في عدد من البلدان العربية منددةً بالاعتداء ومتضامنة مع الشعب الفلسطيني.
وعلى الإثر، شَهد الشارع اللّبناني توتراً مفاجئاً، مع خروج أعداد هائلة من المواطنين المستنكرين لـ "تخاذل الدول الغربية"، خاصةً فرنسا وأميركا، لجهة عدم اتخاذ قرار حازم في جلسة مجلس الأمن لوقف الحرب على غزة، ما أدّى إلى مواجهات عنيفة بينهم وبين القوى الأمنية، ووقوع إصابات في صفوف المتظاهرين.
في الإطار، لفتَ الناشط الاجتماعي محمد علّام إلى أنَّ "المشهد أمام السفارة الأميركية أمر معتاد، إذ إنه في كل تظاهرة يلجأ بعض الأشخاص، يشكلون طابوراً خامساً إلى التعدّي على الممتلكات العامة والخاصة، والقيام بأعمال شغب، بهدف إحباط الرسالة الأساسية للتظاهرة".
وأوضح علّام في حديث لمنصّة "بلوبيرد لبنان" أنَّ "الهدف من التحرّك أمام السفارات جاء كرد فعل وامتعاض بعد رفض كلّ من أميركا وفرنسا وبريطانيا واليابان المقترح الروسي في مجلس الأمن، لوقف إطلاق النار في غزة"، مؤكداً أنَّ "الاعتداء على الممتلكات مرفوض، إنمّا في وضع مماثل، من الصعب تحديد الأشخاص المعتدين ومعرفتهم نظراً للأعداد الهائلة المُشاركة".
كما شّدد علّام على أنَّ "مَن قام بهذه الأعمال لا يُمثّل إلاّ نفسه"، قائلاً: "لا نريد إلحاق الضرر باللّبنانيين، إنما أردنا طرد السفراء والتعرّض بشكل مباشر للسفارة، لدفع الدول المعنية على تحمّل مسؤولياتها"، مشيراً إلى أنّنا "طالبنا بمقاطعة مطاعم ماكدونالدز في لبنان بعد دعمها لإسرائيل، لكن لم ندعُ إلى تكسيرها وحرمان النّاس من مصدر رزقها".
وفي السياق، استنكرت بعض الأحزب اللّبنانية التعدّي على الأملاك العامّة والخاصّة للبنانيين الأبرياء، معتبرةً أنَّ هذا الأمر مرفوض تماماً، إذ لا علاقة لأرزاق المواطنين بما يحصل في غزة، ويبتعد عن التضامن مع الشعب الفلسطيني المصاب، حيث أنَّ النّاس لا تتحمّل المسؤولية بتاتاً عما تؤول إليه الأحداث هناك، مطالبةً بالتعويض عن الضرر الذي لحق بالناس الآمنين.
كالعادة، يدفعُ اللّبناني ثمناً باهظاً في كلّ مرة يحاول فيها البعض، التعبير عن رأيه بطريقة همجية، سواء لأسباب مخفية، أو لمجرد التخريب، تحت مصطلح حرية الرأي والتعبير، فيتحمّل المواطن الآمن، خسائر فادحة في ظلّ الوضع المعيشي المتأزم الذي يمرّ به لبنان، وصعوبة ترميم ما حرقه ودمّره البعض الطائش، كما حرمان عائلات من مصدر عيشها ومدخولها، بفعل تجميد وظائفها، بسبب "فورة دم" أو غضب عشوائي، أو حتّى التضامن مع شعب منكوب. فهل يكون التكاتف مع بعضنا البعض بالأذية وإلحاق الضرّر بالآخرين، وهل نفدت أساليب الدفاع عن الحق، ليُحرم اللّبناني من أدنى حقوقه بالعيش؟.