حسابات نتائج الحروب بين الجيوش بسيطة. الخسائر البشرية والمادية تحدد بالأرقام، يضاف إليها حجم الدمار وميزانيات إعادة الإعمار. حين يتعب المتقاتلون يذهبون إلى تسويات، أو تستسلم القيادة فيفرض المنتصر شروطه على المهزوم. أما حروب التحرير فحساباتها معقدة.
الأرقام في خسائر التحرر الوطني لا قيمة لها. الجزائر ثورة المليون شهيد. لبنان استبدل يوم الشهداء الوطني بأيام الشهيد الحزبي. أكثر من نصف الشعب في سوريا ضحية قتل أو تهجير أو نزوح والضحايا البشرية كما لو أنّها بفعل زلزال لا بسب الحرب والبراميل. في جميع هذه الحالات تساق الشعوب إلى الاحتفال وعلى المقاتلين الأحياء رفع راية النصر.
فلسطين ما زالت تحصي شهداءها، منذ النكبة حتى غزة، ولم يتوقف العدّاد بعد. حسابات «حماس» أقل تعقيداً من حسابات «حزب الله». بعض خسائرها، إن خسرت الحرب، سيتم توظيفه، شاءت أم أبت، لحساب القضية، لأنّ مقاتليها من شعبها، والبعض الآخر عصي على التوظيف لأنّها مصنفة في خانة التطرف، وسيدان نهجها ونهج الدولة الصهيونية معاً لأنهما يتوسلان الأصولية الدينية، كل على طريقته، لتحقيق أهدافهما.
«حزب الله» قدم، مع سائر القوى غير الفلسطينية، الحكومية والشعبية، تضحيات كبرى باسم القضية. كذلك فعلت أحزاب الحركة الوطنية اللبنانية منذ ما قبل الحرب الأهلية وخلالها، ومنظمات دولية ثورية، كالجيش الأحمر الياباني، إذ قدمت شهداء على مذبح القضية، كما خاضت أنظمة عربية حروباً من أجل تحرير فلسطين، واليوم تتضامن من لبنان تنظيمات إسلامية أخرى مع «حماس».
المساهمات غير الفلسطينية كانت في الظاهر مجانية أي «لوجه القضية»، فيما أثبتت الوقائع أنّ الحركة الوطنية حاولت استثمار تضامنها في فرض تعديلات على النظام اللبناني، وأنّ أنظمة سوريا وبلاد الطوق سعت إلى احتواء منظمة التحرير ومصادرة قرارها المستقل بحثاً عن تسويات، وهذا ما تحاول إيران فعله بعدما صارت جزءاً من المعادلة الإقليمية.
ماذا سيكون دور المشاركين في النضال إذا ما تحررت فلسطين؟ سيعمل الفلسطينيون على بناء دولتهم. حماس استلهمت الإسلام كما في ثورة الجزائر. حين فضّل إسلاميو الجزائر السلطة على الدولة دخلت البلاد في حرب أهلية، كررت حماس التجربة حين قسمت الدولة المنقوصة السيادة إلى دولتين.
المتضامنون مع القضية من غير الفلسطينيين، ومنهم «حزب الله»، سيراقبون من الخارج. القضية أممية، لكن، الفلسطينيون وحدهم سيقطفون الثمار. تضحيات الخارج ستبقى مخلدة في سجلات الشرف. الياباني كوزو أوكاموتو لا محل له في بنية الدولة الفلسطينية. القضية لا تخص الفلسطينيين وحدهم، لأنّها عربية، دولية، إسلامية، مسيحية، إنسانية، لكنها تخصهم هم قبل سواهم.
أبطال اليوم، من «حماس» و»حزب الله»، كما أبطال الأمس من عز الدين القسّام إلى ياسر عرفات، ومن جورج حبش إلى جورج حاوي، شاركوا ويشاركون بكتابة تاريخ الثورة والقضية وأسسوا ويؤسسون للمستقبل، لكن لن تكون لهم، وربما لجيل أو أكثر من بعدهم، فرصة المشاركة في احتفالات العودة. فضيلة هؤلاء أنّ واحدهم كان يحسب أنه قد «يموت غداً» قبل أن يدرك النصر لكنهم ناضلوا «كأنهم يعيشون أبداً».
إذا شارك «حزب الله» في الحرب الدائرة سيتحمل مسؤولية التفريط بالوحدة الوطنية اللبنانية، وسيكون من الخاسرين لأنّه يتصرف كأنه صاحب القضية بدل أن يقف خلف أصحابها من موقع المتضامن، ولأنّه ينطلق مثل «حماس» من نظرية دينية مفيدة فحسب للتعبئة ضد مشروع الصهيونية العنصري. وإن لم يشارك سيكون بين الخاسرين لأنه خلف الوعد بوحدة الساحات.
يا «حماس» ويا «حزب الله»، الوحدة الوطنية أفعل من الصواريخ.
*نداء الوطن