كان جان ايف لودريان يدري بما سيجده عند محدثيه من «المسؤولين» اللبنانيين. هو اكتشفهم وعركهم منذ أن كان وزيراً للخارجية الفرنسية، مرافقاً لرئيسه ايمانويل ماكرون في زياراته واهتمامه بموضوع لبنان منذ الانهيار المالي والاقتصادي، وخصوصاً منذ تفجير مرفأ بيروت.
في تلك الزيارات واللقاءات التي طرحت خلالها أفكار فرنسية في صلب الموضوع وخارجه، خلص ماكرون ووزيره الذي سيصبح مبعوثاً خاصاً لشؤون لبنان، إلى أحكامٍ صارمة بحق «الطبقة» السياسية اللبنانية. قال ماكرون ومثله لودريان إنّ تلك الطبقة الحاكمة تقود الانهيار والخراب وهي غير صالحة للبناء والإصلاح. إنها باختصار «زومبي» الاقتصاد والسياسة: جثث متحركة لا تصنع حياةً.
في زيارته الأخيرة جاء لودريان ليتفحص وضع الجثث فوجدها على حالها في وقت يتحرك فيه الاقليم على صفيح حرب ساخنة. لم يعد انتخاب الرئيس أولوية قصوى في عرف لودريان و»الخماسية» التي ينتمي إليها. في «الخماسية» وأبعد منها يطرحون السؤال الآتي: وماذا سيفعل أي رئيس يُعين الآن فيما تستمر حرب غزة و»محور المقاومة» يقرر مشاركة لبنان فيها، وكل جهابذة السياسة والاقتصاد يعجزون عن التقدم خطوة في إقرار برامج الإصلاح الاقتصادي والمالي، ومؤسسات البلاد الرئيسية مضروبة بالشلل، ومفروض عليها الموت الشتوي الطويل بانتظار الانتصار الحاسم في معركة طرد أميركا من غرب آسيا، وإزالة إسرائيل من الوجود، وإرساء الدولة الفلسطينية بعد استفتاء تطرحه إيران على سكان البلاد الأصليين!
جاء لودريان إلى لبنان في خضمّ هذا السواد العام لينصح ويحذر أكثر مما ليطرح افكاراً. غيره من الرسل سيفعل الشيء نفسه الآن. النصيحة الأولى: حافظوا على هدوء الحدود. واستطراداً إعملوا على تنفيذ القرار 1701 بحذافيره، لأنّ ما بعد غزّة لن يكون كما قبلها. النصيحة الثانية: إحفظوا الجيش قيادة ودوراً لعلاقته بأمن البلاد الداخلي ولمسؤوليته عن تنفيذ القرار الدولي بالتعاون مع قوات الأمم المتحدة. والنصيحة الثالثة التي لا تقال: أصمدوا حتى يحين الوقت من أجل تسوية تشملكم، فتنتخبون رئيساً طبيعياً يقود إعادة بناء المؤسسات. أما الآن فوجود الرئيس يساوي عدم وجوده...
المصدر: نداء الوطن